ونبَّه الدكتور إلى أن بعض المحققين قد يجد أخطاءً في كل نسخة فينتهج منهج التلفيق بين النُّسَخ، ولربما كانت إحدى النُّسَخ تستحق أن تكون النسخة الأم بسبب قلة أخطائها وتصحيفاتها، ولا يتبين المحقق هذا الأمر إلا إذا قرأ جميع النُّسَخ الخطية قراءة فاحصة دقيقة متأنية.

ثم تطرق الدكتور إلى وجود الأخطاء في ضبط النص في النُّسَخ الخطية، حيث أكد على أن الباحث يلزمه أن يثبت الصواب في المتن، ولو خالف كل النُّسَخ، ثم يشير إلى ذلك في الحاشية.

كما أكد الدكتور على أن الطالب يجب عليه أن يقرأ النسخة الخطية كاملة من أولها إلى آخرها عدة مرات حتى يتعرف عن قرب على منهج الناسخ في الكتابة، فيقف على كيفية كتابته للواو مثلاً او للياء أو حروف الجر ونحو ذلك، ولا سبيل له لمعرفة منهج الناسخ في الكتابة إلا من خلال تكرار القراءة للنسخة الخطية.

كما أشار إلى ضرورة عودة الباحث إلى بعض كتب المؤلف الأخرى ليقف من خلالها على ما يفيده في تحقيقه للكتاب المراد تحقيقه، فربما تُطمَس عبارة في النسخة الخطية ثم يجدها الباحث منقولة بنصها في كتاب آخر للمؤلف أو لغيره من المؤلفين الذين استفادوا من كتابه.

وتحدَّث الدكتور عن وجود نسخة فريدة وحيدة لكتاب من الكتاب، وأشار إلى أنه لا يحبذ لطلاب الدراسات العليا أن يأخذوا مثل هذه الكتب لرسائل الماجستير أو الدكتوراة إلا في أضيق الحدود، لصعوبة التعامل معها إذا احتوت على طمس أو خرم ونحو ذلك، ووَصَفَها الدكتور بأنها "غدَّارة"، تهدد الباحث وتخوفه ويظل منها في حذرٍ إلى أن ينتهي منها.

وأشار الدكتور إلى نقطة لها صلة بالنسخة اليتيمة، وهي أن النصوص المنقولة من النسخة اليتيمة في الكتب الأخرى، أو النصوص المنقولة في النسخة اليتيمة من الكتب الأخرى، فإن هذه النصوص بمثابة نسخة ثانية للنسخة اليتيمة.

وألمح الدكتور إلى أن المحقق يلزمه في المقام الأول أن يكون عمله في التحقيق منصبٌ على نقطتين مهمتين:

النقطة الأولى: الوصول إلى أقرب نص يريده المؤلف، دون تعديل أو تحسين أو تدخل من الباحث، فهذا الكتاب للمؤلف وليس للمحقق، والمؤلف يتبنى أفكاراً وآراءً يجب أن تبقى كما هي، ويمكن للباحث أن يعلق عليها بما شاء في الحواشي.

ويؤكد الدكتور على أن الأخطاء التي يدرك الباحث يقيناً أنها من الناسخ فإنه يكتبها بالوجه الصحيح دون أن يشير إلى الخطأ فيها، لأنها كثيرة جدا في المخطوطات، وهي من النُّسَّاخ وليس من المؤلفين.

النقطة الثانية: خدمة النص تحقيقاً وتعليقاً وشرحاً وإيضاحاً وتبييناً بحسب ما يقتضيه منهج المحقق الذي التزم به.

وتحدَّث الدكتور هنا عن استعانة بعض الباحثين ببعض المراكز أو بعض الأشخاص لنَسْخِ المخطوط بحيث يصل إلى الباحث مكتوباً بالكمبيوتر ولا داعي لأن يرجع الباحث إلى النُسَخِ الخطية، ووَصَفَ الدكتور هذه الاستعانة بأنها "خيانة"، وأن الذي لا يجد وقتاً كافياً لنَسْخِ المخطوط فلا داعي له لأن يستمر في الدارسات العليا، ومن رغب بالدراسات العليا فلابد أن يكون أهلاً للثقة والأمانة، بعيداً عن دفع المال مقابل ألا يشغل نفسه ويتعبها بالنظر في النُّسَخ الخطية والمقابلة بينها.

ثم أشار الدكتور إلى أن بعض المؤلفين يجعل عدة نُسَخٍ لكتابه، وربما كان بين النُّسَخ سنوات طويلة، فلا يعني وجود اختلافات بين نسختين مع أنهما بخط المؤلف أو عليها سماعه بأن لدى المؤلف تناقض أو اضطراب ونحو ذلك، بل يلزم الباحث أن يتأكد من أن الاختلافات هل هي من المؤلف بسبب تعدد النُّسَخ؟ أم أنها اختلافات من النساخ؟ ولا سبيل للباحث للتأكد من هذا الأمر إلا بإمعان النظر في كتب المؤلف خصوصاً وكتب الفن على وجه العموم.

كما أشار إلى أن النص القرآني إذا جاء في طيات كتاب من كتب علوم القرآن، فإن المحقق ينظر في سياق الكتاب، فإن كان الحديث عن موضوع من الموضوعات العامة ثم جاء الاستشهاد بالنص القرآني دون أن يكون لذلك أدنى صلة بالقراءات فإن المحقق يلزمه - والرأي للدكتور - أن يكتب النص القرآني بالرواية المشتهرة في زماننا وهي رواية حفص، وضرب لذلك مثالاً بكتاب فيه حديث عن النسخ في القرآن، فإن استشهد المؤلف بقوله تعالى (ما ننسخ من آية و ننسأها) بقراءة أبي عمرو مثلاً؛ فإن المحقق يكتبها برواية حفص نظراً لأنها مشتهرة في زماننا، ولأن المقصود

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015