من استشهاد المؤلف هو النص القرآني وليس ذِكْر الاختلافات بين القراء، بينما لو كان ذِكْرُ المؤلف لقراءة غير قراءة حفص لغرض الحديث عن القراءات فلا شك أن المحقق عليه أن يُثبِت ما كتبه المؤلف دون تدخل.

ويوصي الدكتور بألا يهرب المحقق من ضبط النص، خصوصاً "المُشكِل من النص" الذي لا يتين مراد المؤلف منه إلا بضبطه، ونبَّه في الوقت ذاته من إضاعة الوقت بضبط ما لا طائل من ضبطه، كمن يضبط حروف الجر ونحوها.

كما شدَّد الدكتور على أن المحقق ملزَمٌ بضبط الأعلام، وعليه العودة إلى الكتب التي استفاضت بضبط أسماء الأعلام حتى يستفيد في ضبط الأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب المراد تحقيقه.

ونبَّه على أن ترجمة كل عَلَمٍ تكون من الكتاب الخاص بالترجمة لأمثاله، فيترجم للصحابي من كتب تراجم الصحابة، وللقارئ من كتب تراجم القراء، وللنحوي من كتب طبقات النحاة، ونحو ذلك.

وأشار الدكتور إلى ضرورة الابتعاد في التراجم عن العبارات العامة التي تشمل المترجَم له وغيرَه، كمن يصف إماماً بأنه "تقيٌ ورعٌ" أو أنه "من أكابر العلماء"، فهذا أوصاف تشمل كل علمائنا من السلف الصالح، وإنما المحقق يلزمه أن يترجم للأعلام بما يُقدِّم لقارئ الكتاب تصوراً موجَزاً عن هذا العلم من حيث أبرز شيوخه وأبرز تلاميذه وأبرز معالم نشاته ونحو ذلك.

كما حثَّ الدكتور على أن يرجع المحقق للكتب المتقدمة لتوثيق نصوص الكتاب المنقولة، خصوصاً التي لم يُشر المؤلف إلى نقله إياها من كتب المتقدمين، وضرب لذلك مثالاً ببعض ما نقله السيوطي من الزركشي ولم يُشر إليه.

وذكر أن توثيق الأبيات يكون من الكتب المتقدمة، وكذلك الشواهد والآثار والأقوال، وحذَّر كل الحذر من توثيق مثل هذه النصوص من الكتب المتأخرة.

ولم يجد الدكتور حرجاً في رجوع المحقق إلى الموسوعات الالكترونية من أجل الوصول إلى توثيق صحيح للنص، لكن شدَّد على ألا يكتفي المحقق بذلك، بل يستأنس بهذه الموسوعات في الوصول إلى المصدر الصحيح لتوثيق هذه النصوص.

ونبَّه كذلك على أن المحقق إذا أحال إلى أكثر من مرجع في حاشية واحدة؛ فإنه يرتب الكتب بحسب وفيات أصحابها، حتى يتسلسل النقل تاريخيا عند المحقق ثم عند قارئ الكتاب.

ولم يغفل الدكتور عن التطرق إلى ما يفعله بعض المحققين من إثقال الحوشي بتواريخ الطبعات والدور الناشرة وعدد المجلدات ونحو ذلك، بل يرى الدكتور أن على المحقق أن يقتصر على عنوان الكتاب واسم مؤلفه، ثم للمحقق - والحديث للدكتور - أن يكتب عن معلومات الطبعة ما يريد من خلال قائمة المصادر والمراجع في آخر البحث.

وأشار الدكتور إلى ضرورة أن يتوازن المحقق في عمله، فعليه أن يضبط الكل، ويحقق الكل، وذكر بأنه لا يُقبل من المحقق أن يحقق صفحات ويترك أخرى، أو يُسهب في ترجمة مثلاً ويختصر اختصارا شديداً في أخرى، بل التوازن مطلوب لإخراج العمل بصورة مثالية.

كما أشار إلى أن الكتاب إذا حُقِّقَ من قبل فعلى المحقق أن ينبه على أخطاء من سبقه إن كانت تدعو الحاجة لها، ولا داعي للإطالة الشديدة في ذلك وفرد العضلات وإظهار التعالم.

كما نبَّه على ألا يطيل المحقق في ترجمة من أُشبع بحثاً وترجمة من المؤلفين، كالسيوطي وغيره، ونبَّه في الوقت ذاته على أن يكتب المحقق ترجمة وافية لمن لم يسبق أن كُتِبت له ترجمة وافية من المؤلفين.

وتحدَّث الدكتور عن الطبعات، وشدَّد على أن يحرص الباحث والمحقق على معرفة الطبعات الجيدة لكل كتاب، خصوصاً وأن المكتبة الإسلامية قد أُثقِلت بكمٍ وافر من الكتب التي تفتقر لأدنى جهد علمي في التحقيق، وألمح إلى ضرورة أن يستشير الباحث والمحقق أستاذه ومشرفه، ومن له معرفة بالطبعات من العلماء والمتخصصين، حتى يكون توثيقه ونقله مستنداً إلى طبعة علمية صحيحة، بعيدة عن الطبعات التجارية.

وكانت هذه آخر نقطة تحدث عنها الدكتور الخراط جزاه الله خيراً، ثم تفضَّل بعد ذلك بالإجابة على مداخلات وأسئلة بعض الحضور.

من وصايا الدكتور الخراط لأبنائه الباحثين:

* ردَّد الدكتور الخراط أكثر من مرة عبارة: "هم رجال وأنت رجل" في إشارة منه إلى أن النُّساخ - وربما المؤلفين - ليسوا معصومين عن الوقوع في الوهم أو الخطأ.

* حذر الدكتور الخراط من أن يكون الباحث حجراً صلداً لا يلين ولا يتزحزح عن مواقفه، بل وجَّه بأن يكون مَرِناً، فيضع الاحتمالات الواردة ثم يُرجِّح.

* يوصي الدكتور الخرّاط بأن يتواصل الباحث مع أهل العلم، فيستشيرهم ويأخذ بآرائهم، ولا يلزمه ذلك أن يعتبر أقوالهم خالية من الخطأ، بل هي قابلة للأخذ والرد.

* حذَّر الدكتور الخراط من "شهوة التفاصيل في التعليق"، وذكر أن هذا أمر موجود لدى الباحثين، لكنه لا يصح منهم، وعليهم بالتوازن دون إفراط أو تفريط.

هذا ما يسَّر الله لي تدوينه مما نثره الدكتور أحمد الخراط من درر ولآلئ استفدتُ منها غاية الاستفادة ..

وأعتذر عما لم أتمكن من الإحاطة به مما ذكره الدكتور، والمجال مفتوح للتعديل على ما أخطأتُ فيه ..

محبكم، الردادي ..

الأربعاء، 6/ 1 / 1431هـ ..

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015