والمصحف ليس اسما لذات القرآن الكريم وإنما هو اسم للصحف التي كتب عليها القرآن، ولم يطلق اسم المصحف على القرآن المكتوب في الصحف إلا بعد جمع القرآن الكريم في عهد الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في صحف ضم بعضها إلى بعض، فسميت مصحفا. تحدث علماؤنا -رحمهم الله- في كتاب الفقه عن حكم بيع المصحف، ولم يقل أحد منهم ببيع القرآن, فالقرآن كلام الله تعالى أما كتابة الآيات القرآنية وطباعتها في الصحف وتسجيل تلاوتها على الأشرطة والأقراص، فعمل البشر وجهدهم الذي يبتغون بها كسب رزق حلال ...
ومن فروق القرآن والمصحف بالمعنى الذي ذكرنا أن لفظ القرآن لا يجمع؛ لأن القرآن واحد لا يختلف في كل المصاحف, أما المصحف فيصح جمعه فيقال: "مصاحف" لأن كل واحد منها أو مجموعة منها تختلف عن الأخرى في الحجم ونوعية الخط, واللون إذا كانت مكتوبة, و من قارئ إلى أخر ونوعية التلاوة إذا كانت مسموعا مرتلا.
هذا ولا ينسب القرآن إلا شخص, فلا يقال: "قرآن عثمان أو قرآن على أو قرآن أبي بن كعب". ولكن يقال: ومصحف عبدالله بن مسعود؛ لأن هذه المصاحف من عملهم دون القرآن.
وبعد الانتهاء من التعريف اللغوي والاصطلاحي لكل جزء من تركيب (علوم القرآن) نصل إلى التعريف الاصطلاحي له كعلم مستقل.
التعريف الاصطلاحي لعلوم القرآن:
يختلف تعريف علوم القرآن بالنظر إلى معناه الإضافي, من تعريفه كفن مدون من علوم الشريعة أو بالمعنى الاصطلاحي المتأخر.
علوم القرآن بمعناه الإضافي فيه توسع حيث يشمل العلوم المساندة والخادمة للقرآن الكريم، ولا يشترط فيه أن يكون القرآن الكريم محورها وموضوعها.
علوم القرآن بالمعنى الإضافي تشمل كل ما يتصل بالقرآن الكريم، فالتفسير - مثلا- يصدق عليه أنه من علوم القرآن، وكذلك علم القراءات، وعلم رسم الصحف، وإعراب القرآن كلها يصدق عليها أنها من علوم القرآن.
أما بعد أن صار هذا العلم ذا موضوع خاص أي تحول إلى فن مدون المعبر عنه بالمعنى اللقبي فإنه أصبح أضيق نطاقا وأكثر تخصيصا فلم يعد يشمل التفسير والإعراب ومسائل القراءات بالتوسع والشمول, بل إن بحثت هذه الأمور في ضمن مباحث علوم القرآن ستبحث موجزة و بالنظر إلى حيثيات خاصة.
والذين توسعوا في العلوم المستنبطة من القرآن الكريم مثل الإمام السيوطي وغيره قصدوا بعلوم القرآن كل علم يخدم القرآن الكريم أو يستند إليه. ولو نراعي هذا الشمول والإحاطة يندرج كل من علم التفسير, وغريب القرآن, والقراءات، ورسم الصحف, والإعجاز, والعقيدة، واللغة وغيرها تحت مسمى علوم القرآن.
أدخل السيوطي - رحمه الله- في العلوم المستنبطة من القرآن علوما كثيرة منها: الطب والهندسة, والجبر, والهيئة إضافة إلى أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعو الضرورة إليها.
وذكر الإمام الغزالي أن القرآن يحتوي "سبعة وسبعين ألف ومأتى علم".
وذكر ابن العربي عمن ركب من الاعتبار الآنف الذكر كلاما فقالوا: " إن علوم القرآن خمسون علما, وأربعمائة علم، وسبعة آلاف وسبعون ألف علم, على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة , إذ لكل كلمة فيها ظاهر وباطن, وحد مطلع".
ولا شك أن مرد هذا التوسع في مفهوم علوم القرآن بمعناه الإضافي لدى المتقدمين من أهل العلم، هو عظمة القرآن الكريم وما فيه من علوم و حكم. ولذلك قال الحرالي: (ت 623ه) إن "أكمل العلماء من وهبه الله تعالى فهما في كلامه ووعيا عن كتابه وتبصرة في الفرقان, وإحاطة بما شاء من علوم القرآن. ففيه تمام شهود ما كتب الله لمخلوقاته من ذكره الحكيم, بما يزيل بكريم عنايته من خطأ اللاعبين إذ فيه كل العلوم ".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة, وجميع السنة شرح للقرآن, وجميع القرآن شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العليا. وكما أنه أفضل من كل كلام سواه فعلومه أفضل من كل علم عداه".
ونص الزركشي (ت 794ه) أن " كل علم من العلوم متنزع من القرآن وإلا فليس برهان".
¥