?وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ?: ?وَزَرَابِيُّ?: المراد بها البُسط, وما تسميه العرب بالطنافس, التي يكون لها خمائل خاصة. ومعنى ?مَبْثُوثَةٌ?: أي أنها كثيرة، منتشرة. فحيثما توجهوا، تستقبلهم هذه الزرابي مفروشة، معدة لهم.

هذا حال أهل الجنة، بإزاء حال أهل النار! وشتان ما بين الصورتين. منظران متقابلان، بينهما بعد المشرقين! وحالان متباينان؛ حال أهل النار, ما يعانونه من أنواع العذاب الحسي، والمعنوي, وحال أهل الجنة، وما يتقلبون به من أنواع اللذائذ، والنعيم الحسي، والمعنوي.

?أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ?: هذا الاستفهام للإنكار، والتعجيب من حالهم, ومعنى ?ينظرون?: ليس المقصود يبصرون البصر المعتاد, وإنما نظر التفكر والاعتبار, وإلا فهم ينظرون إلى الإبل صباح مساء، لأنها كانت أنفَس أموالهم. ومن تأمل في خلقة الجمل، وجد أن خلقته مميزة من بين سائر الحيوانات, هذا الظهر المسنم, وهذه الرقبة الطويلة, تفارق كثيراً من أنواع الحيوانات. وفي هيئته تلك ما تجعله مهيئاً للركوب, ولحمل الأشياء الثقيلة, وتحمل العطش والمشاق. وهذا الوبر جعله الله تعالى على جسمه، وقاءً له في الشتاء, وسبباً لعدم فقده للماء وتبخره، في الصيف.

?وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ?: نقلة أخرى، ومشهد جديد, هذه السماء المبنية، خَلق عظيم, سقف مرفوع، لا نرى له عمداً ? .. بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا .. ? (الرعد-2) , ولهذا قيل إن معنى قوله ? .. بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا .. ? أنه لا يوجد عمد أصلاً، كما يروى عن ابن عباس، ومجاهد, وقيل بل ثَمَّ عمد، لكنها غير مرئية، كما روي عن إياس، وقتادة, ويكون رفعها بهذه القوانين الكونية الطبيعية، التي خلق الله تعالى عليها هذا الكون، فهذا البناء الشاهق, هذه السبع الشداد، لا تقع على الأرض. ? .. وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ .. ? (الحج-65) ه?إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا .. ? (فاطر-41) , فالله تعالى هو الممسك لها, فلو شاء الله لوقعت، وسحقت الخلق كلهم.

?وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ?: الجبال خلق عظيم, وكثيراً ما يقرن الله تعالى بين السماء، والأرض، والجبال, ? .. كَيْفَ نُصِبَتْ? النصب يكون للخيمة, وذلك أن هيئة الجبل، كهيئة الخيمة, مسنم، وله في الأرض جذور راسخة. ولهذا قال في سورة (عم) ?وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا? (النبأ-7). وحينما يقف المرء أمام الجبل، يشعر بالتصاغر أمام هذا الخلق العظيم, وقد يكون جبلاً من أصغر الجبال, فكيف إذا كان من الجبال الشاهقة، التي يقاس ارتفاعها بالكيلومترات, الله أكبر! هذه الجبال تسبح الله ?يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ? (سبأ-10) فهذه الجبال تسبح الله Ü وتخشاه، وتعظمه، وتشفق من حمل الأمانة.

?وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ?: نقلة من أعلى إلى أسفل، هذه الأرض التي ندُب عليها, وتعيش عليها مختلف الخلائق، كيف سطحها الله تعالى، وجعلها مهيأة للعيش فيها، والسير في أرجائها؟! وقد استدل بعض العلماء، ومنهم السيوطي ‘، على أن الأرض مسطحة، وليست كروية، وأنقل لكم كلامه, قال:

"ظاهر قوله: ?وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ? ظاهر في أن الأرض سطح, وعليه علماء الشرع، لا كرة، كما قاله أهل الهيئة – يقصد أهل الجغرافيا, واسمها الصحيح الهيئة - وإن لم ينقض ركناً من أركان الشرع"ا. هـ احترز ‘ أن الإنسان لو اعتقد أنها كرة, فإن ذلك لا ينقض ركناً من أركان الشرع, واستدل بالآية على أن الأرض مسطحة, ولكن لا ريب أنها كروية, وقوله ‘ "عليه علماء الشرع"، ليس مسلماً، بل عليه بعضهم, فإن شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- وهو سابق له، كان يصرح بكروية الأرض. ومما يستدل بها على كرويتها قول الله تعالى: ? .. يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ .. ? (الزمر-5) , والليل والنهار إنما يقعان على الأرض، ففي حركتهما، وتبناوبهما، ينشأ هذا الشكل الكروي, ثم إن الحس والواقع يقطعان قطعاً جازماً أنها كروية. والجمع بين هذا، وبين قول الله تعالى: ?وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ? إن هذا بحسب نظر الناظر، يرى الأرض مسطحة، حتى ينقطع بصره بخط الأفق, ومما يدلك على أنها كروية أنك إذا أقبلت على

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015