?لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ?: فهو لا يسمن منه آكله, ولا يقضي منه نهمته, أو يحس بالامتلاء, ولا يسكن ما يجد من الشعور بالجوع. والشعور بالجوع مؤلم، يعرف ذلك من جربه, فيجتمع عليهم هذا الشراب متناهي الحرارة, وهذا الطعام الشوكي، الحارق لأجوافهم.
?وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ?: ما أعظم النقلة بعد هذا المشهد الرهيب، وبعد هذا العذاب الوبيل، الذي دل على النكد الحسي، والمعنوي, إلى صورة مقابلة على النقيض تماماً فقال: ?وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ? تلك وجوه المؤمنين ومعنى ?نَاعِمَةٌ?: أي حسنة نضرة كما قال الله تعالى: ?وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ? (عبس-38) , فعبر Ü بالوجه عن الذات، لكون الوجه هو مظهر الفرح، أو الحزن, والبؤس، أو النعيم.
? لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ?: أي لسالف عملها في الدنيا, ?رَاضِيَةٌ?: أي حامدة لثوابه في الآخرة, فهي قد سعت في الدنيا، وحمدت سعيها في الآخرة.
?فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ?: العلو هنا حسي، ومعنوي, فالجنة من أعلى المخلوقات، وفوقها عرش الرحمن, وعرش الرحمن: سقف الجنة, وبحسب حال المؤمن ومرتبته في الإيمان، تكون منزلته في الجنة. فلهذا كان الفردوس أعلى الجنة ووسط الجنة, ومنه تفجر أنهار الجنة, فهي عالية في نعيمها وفيها من النعيم أعلاه. وقد ثبت في سنن الترمذي من حديث أبي هريرة t مرفوعا: (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتصديق ذلك في كتاب الله عز و جل ?فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? (السجدة-17)) (الترمذي 5 - 346) قال الألباني: صحيح.
?لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً?:أي لا يسمع في هذه الجنة أي كلمة من لغو، أو باطل. وياله من جو نقي، لا تسمع فيه كلمة زور، ولا هجر من القول! وهذا لا يحصل في الدنيا بحال، فهي مليئة باللغو, والفحش, والزور, والكذب, والبهتان, أما تلكم الجنة العالية، فبريئة نقية من كل ذلك.
?فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ?: النفس تحب الماء ومنظره، وجريانه، وتستروح له, فإذا سمع الناس بماء سارح، أو مجتمع، في جهة من الجهات، شدو إليه الرحال وذهبوا ينظرون إليه, وإذا كان في بلادهم أنهار قصدوها. ولهذا قال فرعون عن دنياه ? .. وهذه الأنهار تجري من تحتي .. ? (الزخرف-51). فلما علم الله Ü أن هذا من ملاذّ عباده, قال في وصف الجنة: ?فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ? فمعنى ?عَيْنٌ جَارِيَةٌ?: العين: نبع الماء. وجارية: سارحة. وليس المقصود بها عين واحدة، وإنما جنس العيون, فهي عيون سارحة تجري على أرض الجنة. كما أنها ليست كأنهار الدنيا، لا تجري إلا بأخاديد انحفرت على مر الزمن.
?فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ?: ?سُرُرٌ?: المقصود بها ما يجلس عليه الإنسان، ويتكأ عليه. ومعنى ?مَرْفُوعَةٌ?: أي ذاتاً، وقدراً، ومحلاً, فهي رفيعة في ذاتها التي خلقها الله تعالى عليها, وفي صفتها، وفي محلها. فهي في الجنة، التي هي (عِلِّيُّون) , والنفس تميل إلى الرفعة، والإطلال على ما دونها, فالأنهار من تحتهم، وهم من فوقها مشرفون عليها, وهذا غاية ما يكون في التنعم، والمنظر الحسن.
?وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ?: ما أحسن التقابل, السرر مرفوعة، والأكواب موضوعة! والمراد بقوله: ?َأَكْوَابٌ?: الأقداح التي لا عُرَى لها, هذه هي الأكواب في لغة العرب، وتكون للشرب, ?مَوْضُوعَةٌ?: أي مقربة، مهيأة، معدة لهم, فكلما أرادوا الشراب، كانت في متناولهم.
?وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ?: ?نَمَارِقُ?: جمع نمرقة, والمراد بها الوسائد, ومعنى ?مَصْفُوفَةٌ?: أي مرصوص بعضها إلى جنب بعض, وهذا ما يطلبه أهل الترف، والثراء, فترى أحدهم في مجلسه وقد جلس بين كمية من الوسائد، يرتفق بها يميناً، وشمالاً, ويتكأ عليها، ويستند, فكذلك أهل الجنة، عندهم وسائد متراصة، يستندون عليها، ويتكئون، ويرتفقون، أي يضعون عليها مرافقهم. فهذه الوسائد تحفهم من كل جانب. ومهما بلغ بنا الخيال لا يمكن أن نتصور هذا النعيم الحسي، وهذا اللذة، والسرور، والحبور الذي يعيشون فيه, لكنه اللفظ يقرب المعنى للذهن.
¥