?فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا?: أي ينادي بالهلاك، والثبور يقول: (وا ثبوراه، وا ثبوراه) وصدق! أي ثبور أشنع، وأشد، من هذا الثبور؟
?ويَصْلَى سعيرا? وورد في قراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، والكسائي ?وَيُصَلَّى سَعِيرَا? بضم الياء، وفتح الصاد، وتضعيف اللام. وذلك أنه يدخل في النار حتى تحرقه، وتشويه, والسعير: اسم من أسماء النار، وذلك لتسعرها بالحجارة والناس, ? ... وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ... ?البقرة (24). ثم وصف الله Ï حاله في الدنيا: ?إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مسرورًا?: أي أنه كان في الدنيا مسرورًا, كان فرِحًا، أشِرًا، بطِرًا، لا يبالي، ولا يصدِّق ببعث، ولا جنة، ولا نار، ولا يؤمن بشيء.
?إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ?, ظن: أي أيقن. أن لن يحور: أي أن لن يرجع إلى ربه, إذ كان منكِرًا للمعاد.
رد الله تعالى: ?بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا? فالله Ï أخبرُ به، وأبصرُ.
ثم إن الله تعالى قال: ?فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ? وكلام المفسرين في معناها: أن يكون معنى النفي: أن الأمر لا يحتاج إلى قسم، فهو من البيان بمكان, أو أن يكون على سبيل الوقف، بتقديرٍ محذوف: يعني ?فلا? أي فليس الأمر كما تدعون, ثم ?أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ?. وإما أن يقال أنها زيادة من باب التأكيد، فهي زائدة لفظًا، لا معنى. والشفق هو الحمرة التي تعقب غروب الشمس. وقال مجاهد في تفسيره، إن الشفق النهار كله (تفسير مجاهد 1 - 493) , والأول أولى. وإنما قال المراد به النهار كله، ليكون بمقابل ?وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ?. وقد جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري، عندما علَّم جبريل النبيَّ e وقت صلاة المغرب، قال: ( .. ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ .. ) (المعجم الكبير للطبراني 12 - 223). فهو علامة كونية شرعية.
?وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ? الليل: من مغيب الشمس، إلى طلوع الفجر. ? .. وَمَا وَسَقَ?: أي ما جمع، وحوى، ولف، ونحو هذه الكلمات, لأن هذه المادة –وسق- تدل على الجمع. ولهذا أطلق على الوعاء الكبير، الوسق، فهو يدل على الجمع. يقسم الله، سبحانه، بالشفق، ويقسم بالليل، وما جمع الليل، مما يسكن فيه من أنواع الكائنات ?وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ ... ?الأنعام (13). ولو سرح الإنسان بفكره في هذا، لذهب به الخيال إلى معانٍ لا حصر لها، فيما يجمعه هذا الليل، من أحداث، وموجودات، وتصرفات وغيرها.
?وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ? إذا اتسق: يعني إذا اكتمل، أو إذا استدار, وذلك يكون في الليالي البيض, وهن: ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة, فهو قَسم بالقمر، في أكمل أحواله، حينما يكون بدرا. ولله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته.
? لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ? هذا جواب القسم, فاللام وقعت في جواب القسم (لتركبُن) , هذه هي القراءة المشهورة؛ بضم الباء, وأصلها (لَتَركَبُونَنَّ) فجرى فيها حذف النون، لتوالي الأمثال، فأصبحت (لَتَركَبُونَّ) , وحذفت الواو لاجتماع الساكنين، فصارت (لَتَركَبُنَّ). والمخاطب عموم الناس. ووردت بفتح الباء، على قراءة ابن كثير، والكسائي، وخلف، وحمزة، فيكون المخاطب بها، النبي ?.
? .. طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ? هذا من بلاغة القرآن العجيبة، وجمعه لأنواع المعاني, ? .. طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ? أي حالاً بعد حال, وذلك أن الناس -على القراءة المعروفة (لتركبُن) - تتنوع أحوالهم من الناحية الخِلقية، ومن الناحية القدرية، تنوعا عجيبًا, فإن أحدهم كان ترابًا، ثم صار نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم صار جنينًا، ثم أُخرج إلى الأرض رضيعًا، ثم فتى يافعًا، ثم كهلاً، ثم شيخًا، ثم يموت، ثم يبعث. هذه أطباق متوالية. وقيل ? .. طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ?: أي سماءً بعد سماء, وهذا يتفق مع القراءة الثانية في توجيه الخطاب إلى النبي ?, وكأن في هذا إشارة إلى ما أكرمه الله تعالى به من العروج إلى السماوات العُلى, ففسرت بأطباق السماء ?الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا ?الملك (3) فسماء فوق سماء.
¥