?إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ? (إذا): أداة شرط ? .. انْشَقَّتْ? أي انفطرت، كما نقول في قوله تعالى: ?إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ? الإنفطار (1) أي انشقت فهما بمعنى واحد. وخير ما يفسر به القرآن هو القرآن. والمقصود بـ ? انْشَقَّتْ ? أي تصدعت، وتمزقت. فهذه السماء المحكمة التي تحدى الله تعالى بها الخلق أن يجدوا فيها أدنى فطور، تتمزق يوم القيامة.
قال الله تعالى: ?وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ? أي سمعت. والإذن هو السماع، ومنه قول النبي ?: (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ.) متفق عليه. فمعنى أذن: أي استمع, و أذنت لربها: أي سمعت وأطاعت, لأن السماع نوعان: سماع إدراك، وسماع إجابة، وطاعة. فالمقصود هنا سماع الإجابة، والطاعة.
?حُقَّتْ? يعني: وحق لها أن تطيع, ذلك أن السموات، والأرضين، والجبال، طاعتها لله عز وجل طاعة كونية، بينما الإنسان طاعته لله عز وجل طاعة كونية وشرعية. وهذا معنى قول الله Ü: ?إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ? الأحزاب (72). وليس معنى ذلك أن السموات، والأرضين، والجبال، أبت أن تطيع الله Ü، فالمقام مقام عرض, لكنها لا تطيق حمل الأمانة. وهي منساقة لأمر الله الكوني، دون الشرعي, ?وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ? لأن الله تعالى أعطاه الاختيار، ولأجل ذلك صار مبتلى بامتثال الشرع، ?وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا? الأحزاب (72)
وليس معنى أن طاعة السماوات، والأرضين، والجبال، لأمر الله Ü هي طاعة كونية، أن هذه المخلوقات لا حقيقة لها، تخاطَب بها, بل يتوجه إليها الخطاب، وترد الجواب، على ما يليق بها. قال الله Ü مخاطبا إياها: ?فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ? فصلت (11). فهذا يدلنا على أن لهذه المخلوقات ذات تعبر عنها، لا ندرك كيفيتها، ولا حقيقتها، وتسمع، وتطيع، وتستجيب لأمر ربها، وتسبح بحمده ? ... وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ... ?الإسراء (44) فهذا أمر ينبغي أن يؤمن بجملته، وإن لم تدرك تفاصيله.
قال الله تعالى: ? وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ? انتقل المشهد من أعلى إلى أسفل! هذه الأرض التي يدب عليها الإنسان، ويحرثها، ويزرعها، ويعيش في أكنافها، تتغير يوم القيامة: ?وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ?: أي زيد في سعتها، وبسطت، ومدت مد الأديم. فالله Ï يغير السموات والأرض يوم القيامة، كما في قوله Ü: ?يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ? إبراهيم (48). الأرض التي كانت كروية، تبسط يوم القيامة، وتمد، ويزاد في سعتها، لتستوعب جميع الآدميين، والوحوش، وكل شيء كان على ظهرها، على مر القرون. ومن معنى المد أنه ليس فيها معلم لأحد, بل هي كالخبزة، كما روي عن سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، في قوله تعالى: ?فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ? (تفسير ابن كثير 8 - 314) , أرض جديدة، لم يسفك عليها دم. قد أعاد الله Ü تكوينها؛ فليس فيها جبل مشرف, ولا واد سحيق، ولا مغارات، ولا كهوف، ولا كثبان, بل هي أرض ممدودة، ليحصل البروز التام لله Ü ? ... وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ? إبراهيم (48).
قال الله تعالى: ?وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ?: يعني قذفت ما في بطنها من الأموات، وغيرهم. و (ما) من ألفاظ العموم، لأنها بمعنى اسم موصول.
?وَتَخَلَّتْ?: أي تخلت عنهم, كما يقال تخلى الرجل: أي قضى حاجته، وأخرج ما في جوفه. فكأن هذه الأرض تخرج ما في جوفها من الأموات، وغيرهم مما لا يعلمهم إلا الله Ü، فقد ورد في بعض الآثار أنها تلقي ما فيها، حتى أسورة الذهب. لكن المراد أصلاً، إخراج الأموات، وإثبات البعث.
? وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ?: كما أختها السماء, فأذنت: بمعنى سمعت سمع طاعة, وحق لها ذلك.
¥