سميت هذه السورة بسورة "الأعلى" لورود هذه اللفظة الشريفة فيها، وهي اسم من أسماء الله الحسنى (الْأَعْلَى). وقد كان النبي يحب هذه السورة، ويقرأ بها، وبسورة "الغاشية"، في الجمعة, والعيدين، حتى إنه ربما اجتمع يوم عيد، ويوم جمعة، فقرأ بهما في الصلاتين. وحق لرسول الله أن يحب هذه السورة؛ لما تضمنته من المعاني العظيمة, ولما تضمنته من المنة التامة عليه بتيسيره لليسرى.
ولهذه السورة مقاصد متعددة، منها:
المقصد الأول: تنزيه الرب سبحانه وتعالى.
المقصد الثاني: بيان سماحة الشريعة.
المقصد الثالث: بيان وظيفة الرسول.
* قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى:-
سَبِّحِ: هذا فعل أمر؛ أمر للنبي بالتسبيح، أي: التنزيه. فقول: "سبحان الله" اسم مصدر، أي تنزيهاً لله. وينزه الله تعالى عن ثلاثة أمور:
- أحدها: النقص: فله الكمال المطلق, فليس في صفاته نقص بوجه من الوجوه. فكل ما أثبته الله -تعالى- لنفسه فهو صفة كمال، لا نقص فيه بوجه من الوجوه. وهذا من معاني (المثل الأعلى). فله من العلم أتمه وأعلاه, ومن السمع أوسعه, ومن البصر أكمله، لا نقص في صفة من صفاته، (أحاط بكل شيء علماً) , و (وسع كل شيء رحمة) , و (لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء).
- الثاني: العيب: وهي الآفات, فهو منزه عن العمى, وعن الخرس, وعن الصمم، وعن المرض. فكل آفة، فالله بريء منها سبحانه.
- الثالث: مماثلة المخلوقين: فأي وصف يختص به المخلوق لا يمكن أن يثبت للخالق, وأي وصف يختص به الخالق فلا يمكن أن يتصف به المخلوق. فالاشتراك في الأسماء والصفات، إنما يكون في المعنى العام، الكلي، المطلق، الذي يكون في الأذهان، ويمتنع وجوده في الأعيان. فإذا أضيف الوصف إلى الموصوف تخصص.
والله – تعالى - أثبت لنفسه سمعاً، وبصراً، وأثبت للمخلوق سمعاً، وبصراً، وهذا الاشتراك إنما هو اشتراك في اللفظ، وفي المعنى العام، الكلي، المطلق. فالمعنى العام المطلق للسمع، هو إدراك الأصوات, والمعنى العام المطلق للبصر، هو إدراك المرئيات. وهذا محله الأذهان، والعقول, فإذا أضفناه تخصص. فإذا قلنا: سمع الله، صار وصفاً مختصاً به، لا يماثله فيه مخلوق. وإذا قلنا: سمع المخلوق، صار وصفاً خاصاً يختص به المخلوق. وقد جمعت ذلك عائشة - رضي الله عنها - في قولها "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات! لقد جاءت المجادلة تجادل رسول الله وإني لفي جانب الدار، يخفى علي بعض كلامها، وقد سمعها الله من فوق سبعة أرقعة" [مسند أحمد]. فأثبتت سمعاً لله، وسمعاً لها, لكن سمع الله -عز وجل-، وسع الأصوات، ولا يمكن أن يشاركه أحد في هذه الخصيصة, وأما سمعها فإنه قاصر، وناقص، بدليل أنها في جانب الدار، ويخفى عليها بعض كلام المجادلة.
والله - سبحانه وتعالى - يأمر بتسبيح نفسه، وبحمد نفسه, فالحمد، والتسبيح، يكمل أحدهما الآخر. فإن الحمد يعني وصف الله بصفات الكمال. فهو إثبات. والتسبيح يعني تنزيهه عن صفات النقص، والعيب، ومماثلة المخلوقين، فهو نفي. وإنما يحصل العلم بالله بالنفي والإثبات معاً. ولهذا جاء في الحديث: (الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) [رواه مسلم].
قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى: أمر الله تعالى بتسبيح اسمه، فهل المراد تسبيح الاسم، أم تسبيح الرب نفسه؟ قولان للمفسرين؛
- فمنهم من قال: الآية على ظاهرها، فمعنى تسبيح الاسم، أي تنزيهه أن يشاركه أحد في اسمه, فلا يجوز أن تطلق أسماؤه الحسنى على الأصنام، كما فعل المشركون، حينما أطلقوا اسم اللات، والعزى، ومناة، على معبوداتهم, فأخذوا اسم اللات من الإله, والعزى من العزيز, ومناة من المنان. فتسبيح اسم الله ألا يشتق منه اسم للأصنام.
¥