(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا): أي هؤلاء المنكرون للبعث يتحايلون، ويدبرون بطريق خفي إيصال الأذى إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وحقيقة الكيد، والمكر، والمحل: إيصال الأذى بطريق خفي. وأكدها بالمفعول المطلق (كيداً) لأن الكافرين يستفرغون جهدهم، ووسعهم، في الصد عن سبيل الله, ورسم الخطط لذلك. ولم يزل هذا دأبهم قديماً وحديثاً. وهذه سمة وصفة في كل منكر للبعث، أنه لابد أن يفني عمره، وجهده في إحقاق الباطل، وإبطال الحق, فالمنكر للبعث يريد أن يقنع نفسه، ويقنع الآخرين بصحة ما هو عليه، فلذلك يؤلب، ويجتهد، ويضلل، لكي يحاول إقناع نفسه، ومعاكسة فطرته، ومحاولة إضلال الآخرين, ويا له من عبث ضائع، وجهد غبين، إذ أنه مبني على باطل، ولا يفضي إلا إلى باطل.

(وَأَكِيدُ كَيْدًا): وشتان بين كيد الرب وكيد العبد؛ الكيد في حقيقته المشتركة، ومعناه الكلي، واحد، وهو إيصال الأذى بطريق خفي, لكنه من الله محمود, ومن هؤلاء الكافرين مذموم؛ لأنهم أرادوا بكيدهم إبطال الحق، وإحقاق الباطل. ولهذا يخادعون الناس بأنواع الخداع، يأتي أحدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه عظم بال، فيفته، ويقول "أتزعم يا محمد أن ربك يحيي هذا بعد أن صار رميما؟ ً" وهذا المشهد يمكن أن يجتاح أصحاب العقول السطحية، فتنطلي عليهم مثل هذه المكائد.

وهذا الكيد، منه سبحانه، في مقابلة كيد الكائدين، نظير قوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ). ولما كان الكيد، والمكر، وأمثالهما، تنقسم مدلولاتهما إلى محمود، ومذموم، لم يجز إطلاق هذا الوصف عليه إلا مقيداً، على سبيل المقابلة. ولم يجز اشتقاق اسم له منها، فلا يقال من أسمائه الكائد, ولا من أسمائه الماكر، ولا يخبر به عن الله على سبيل الإطلاق، إلا أن يقيد، فيقال الكائد بالكافرين, الماكر بالماكرين، ونحو ذلك.

(فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا):"مهل": أي أنظر، واترك. وهذا من التنويع في التعبير, (رُوَيْدًا) كلمة مصغرة من (رودى) ومعناها: أي قليلاً, فالأمر قريب, عما قليل يتبين الحق من الباطل، وتعرف العاقبة لمن. ولهذا لم يمض عليهم سنيات حتى أذلهم الله يوم بدر، وألقوا في القليب، وصاح بهم النبي صلى الله عليه وسلم: وقد أرموا: يا فلان ابن فلان، يناديهم بأسمائهم: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً). (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) أمهلهم حتى تحقق الموعود.

الفوائد المستنبطة:

الفائدة الأولى: صفة يوم القيامة الباطنة (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ).

الفائدة الثانية: كمال إحاطة الله بالعباد, وكمال ضعفهم، فلا قوة لهم من ذواتهم، ولا ناصر لهم من سواهم.

الفائدة الثالثة: عظم شأن القرآن, وبيان صفته الفاصلة، الجادة.

الفائدة الرابعة: فصل القرآن العظيم في جميع الأمور المشتبهات, فما من أمر مشتبه يطرأ على الناس، إلا وفي القرآن منه خبر، وشفاء، عرفه من عرفه، وجهله من جهله

الفائدة الخامسة: سعي الكافرين المنكرين للبعث بالباطل.

الفائدة السادسة: إثبات صفة الكيد لله عز وجل، وهو من صفاته الفعلية.

الفائدة السابعة: أن الله يمهل، ولا يهمل. فلا يغرنك ما ترى من انتفاش الباطل، وصولته، وجولته، فإن هذا لا يعني دوامه.

ـ[هاني درغام]ــــــــ[08 May 2010, 03:08 ص]ـ

جزاكم الله خيرا كثيرا وبارك لكم

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[10 May 2010, 11:34 م]ـ

جزاكم الله خيرا كثيرا وبارك لكم

وجزاكم بمثله وشكر الله لكم مروركم الطيب

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[10 May 2010, 11:50 م]ـ

تفسيرسورة الأعلى (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015