تأنيث وتذكير اسم الجنس مثل (نحل). ولذا أرجح أن البيضاوي قصد أن لفظة (نحل) مذكرة لفظيا (أي لم تلحقه تاء) ولكنه أنثت في الآية باعتبار معناها الجامع الذي يجعلها في حكم الجموع الذي يؤنَّث عادة، و (كل جمع مؤنث) كما قيل. ومن هنا جاء التأنيث في اللهجة الحجازية.

وإلا فعبارة اللغويين القدماء تنص على تأنيث (النحل) وعلى جواز تذكيره مع ذلك. قال ابن الأنباري في (البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث):

[والنحل مؤنثة. قال الله تعالى: " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ". وقد يجوز فيها التذكير"]. لاحظ قوله (وقد .. ) الذي يدل على التقليل ..

وأما عن قولك ـ أخي البيراوي ـ: [ثم أين الضرورة في قوله تعالى:"يا أيها النمل ادخلوا مسكنكم"، وليس:"ادخلن مساكنكن" مع جواز ذلك.]، فأقول: أنا لم أذكر أمر الضرورة بالنسبة لاسم جنس مثل (نمل)، بل ذكرته لاسم جمع مثل (عنكبوت) الذي ورد تذكيره في شطر بيت ضرورة.

وأما قوله تعالى (ادخلوا مسكانكم)، فضمير الجماعة فيه لا علاقة له بتذكير ولا تأنيث، بل هو التغليب الذي يقتضي أن يُخبَر عن الجماعة كالذكور تغليبا وإن كانت فيهم إناث، وهكذا اعتاد اللسان العربي. وما في الآية لم يُقصَد فيه تفريق بين ذكور وإناث، بل المراد هو جماعة النمل، من دون إرادة الذكورة والأنوثة، والأسلوب العربي في هذه الحالات هو التذكير أي الإخبار عن جماعة الذكور.

وأعود إلى قولي: إن من يفسر قوله تعالى (اتخذت بيتا) و (يخرج من بطونها شراب) بأنه يقصد الأنثى، إنما يثبت بذلك أنه لم يملك زمام اللسان العربي، وأنه لا يرى في النص و لا يفهم إلا ما قرّر مسبقا أن يراه ويفهمه، وهو بفعله هذا لا يدع القرآن يقول قوله، بل يقوّله ما يريد ويهوى، أقول هذا وأعلم أن عبارتي هذه قد تكون غير لائقة بمقام الحديث عن كتاب الله.

وأما عن القضاء وحالة إناطة القضاء بي، كما تفضل الأخ البيراوي بأن تندّر بذلك، فأقول: لو كنتُ قاضيا لمنعت كل الذين يفسرون القرآن برأيهم دون اعتماد على المأثور وخصائص اللسان العربي الذي نزل به القرآن، من أن يتصدّروا الحلقات والمنابر.

وأقول: إن منطق التفسير العلمي يقضي بأن الأمة، والنبي عليه الصلاة والسلام، لم يفهموا القرآن، أو لم يفهموه على وجهه الصحيح، واستمرت هذه الحالة العصيبة، إلى أن جاء سادة مدرسة الإعجاز العلمي بتفسير صحيح ففعلوا ما لم يستطع أن يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولا الصحابة ولا التابعون ولا المفسرون النابغون من بعدهم. هل هذا منطق؟!

هل يمكن أن أعتبر كاتبا ـ يمكنني أن أعتبره قزما إذا قارنتُه بمفسرينا القدماء العمالقة ـ مفسرا وآخذ منه التفسير، وهو يأتي بتفسيرات تخالف ـ أحيانا كثيرة ـ الوجهَ اللغوي والنحوي و تخالف ـ أحيانا ـ أحاديث صحيحة صريحة جاءت تفسر بعض الآيات؟

وهاكم مثالا ـ حتى لا يكون كلامي أسلوبا خطابيا وحرصا على التعبير بشكليات بالفصحى بعيداً عن الجوهر ;) ـ:

قال تعالى (والشمس تجري لمستقر لها)، وجاءت الأحاديث الصحيحة تفسر ذلك الجريان بأنه الجريان اليومي للشمس من مشرقها إلى مغربها كما نراه كل يوم، وتفسر ذلك الاستقرار بما يقع في الليل من استقرار الشمس حيث لا نجدها متحركة في السماء كما هي في النهار ..

وبعد هذا يجيء كتّاب التفسير العلمي ويقولون بل (مُراد الله تعالى) في تلك الآية هو الإخبار عن أن الشمس تدور حول مجرة درب التبانة، وهذا ما توصّل إليه العلم الحديث في العقود الأخيرة من القرن العشرين ..

وهذا يعني أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الأحاديث الصحيحة لم يكن صحيحا، أو ـ على الأقل ـ كان تفسيرا مرحليا مؤقتا!! (وهذا أقبح من الأول) ..

هذا هو مؤدى منطق التفسير العلمي ونتيجته .. يا سادة ..

ـ[جمال السبني]ــــــــ[01 عز وجلec 2009, 06:15 م]ـ

يجب أن يكون واضحا أن لفظ (عنكبوت) ـ باعتباره اسم جمع لغير العاقل ـ مؤنث، وبذلك نزل القرآن. وأما التذكير فهو جائز أيضا، كما بينا، ويمكن العثور على شاهد أو شواهد قليلة في الكلام العربي على ذلك.

وكذلك قال ابن الأنباري في (البلغة):

[والعنكبوت مؤنثة. قال الله تعالى: " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء، كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً ". وقد يجوز فيها التذكير].

وقال الأزهري في (المحكم والمحيط الأعظم): (والعنكبوت دويبة تنسج في الهواء مؤنثة، وربما ذكر في بعض الشعر) أي ربما جاء تذكير (عنكبوت) في بيت شعر أو أبيات قليلة، أي ضرورةً.

والشاهد الشعري هو قول أبي النجم:

* مما يسدي العنكبوت إذ خلا *

وليس الاحتمال الوحيد فيه أن يكون قد ذكّر (عنكبوت)، بل قال أبو حاتم: أظنه "إذ خلا المكان والموضع". أي إن الضمير المذكر يعود إلى مكان منويّ أو مذكور سابقا.

مشكلة أهل اللغة أن المتقدمين منهم ذكروا أشياء طفيفة أو وجها في تفسير نص أو لهجة أو فهما شخصيا لكلمة، فيجيء المتأخرون ويبنون على ذلك أشياء تبدو لأول وهلة راسخة الجذور، فإذا ما فحصتها أدركت أنها ليس لها أساس راسخ. فالمتقدمون رأوا أنه في بعض الأبيات جرى تذكير (عنكبوت)، وهذا يعني أن اللفظة تُؤنث وقد تُذكّر، وأما المتأخرون فقالوا ـ إطلاقا ـ: (تُؤنث وتُذكّر).

وهكذا إذا فحصت المعجم العربي رأيت أشياء كثيرة من هذا القبيل. يذكرون معاني كثيرة لمفردة واحدة، مع أن واحدا منها ـ على الأقل ـ قد يكون هو ما فهمه شارحُ بيت. وأما المتعلمون فيقرؤون المعجم ويظنون كل تلك المعاني معاني ثابتة ومتجذرة، وربما يستعملون المفردة حين يتعلمونها بذلك المعنى الذي لم يكن سوى فكرة خطرت على قلب اللغوي أو الشارح الذي تصدى لشرح بيت شعر أو مثل ..

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015