القاعدة تقول إن اسم الجمع (وهو لفظ مفرد أي غير مجموع، ولكنه يدل على مجموعة، و لا يمكن إدخال تاء الإفراد عليه للدلالة على أحد مصاديقه، أي: لا واحد له من لفظه)، إذا كان لغير العاقل، أي غير الإنسان، فهو يؤنث. وهذا مثل (إبل)، قال تعالى (وإلى الإبل كيف خلقت)، ومثل (عنكبوت)، قال تعالى (اتخذت بيتا). فالتأنيث في الآيتين لأن لفظتي (إبل) و (عنكبوت) مؤنثتان لأنهما اسما جمع، إذ لا واحد لهما من لفظهما، فلا يُقال (إبلة) بل يقال (بعير، أو ناقة)، ولا يقال (عنكبوتة) بل يقال (عنكبٌ، أو عنكبة). وهكذا. وتأنيث اسم الجمع قاعدة ليس فيها اختلاف لهجات ولا اختلاف مدارس نحوية.

وعليه فلا يدلّ التانيث في قوله (اتخذت بيتا) على إرادة الأنثى، كما يزعم بعض كتاب الإعجاز العلمي، بل لأن اللفظة في نفسها مؤنثة، هكذا تكلم بها العرب. وإذا كان يريد الأنثى فاللفظة هي (عنكبة)، ولفظ (العنكبوت) عام يدلّ على الحيوان من دون تفريق بين الذكر والأنثى.

وفي الوقت نفسه يمكن تذكير (عنكبوت) حتى في النثر ومن دون ضرورة، وذلك لأنه ليس مؤنثا حقيقيا واجبَ التأنيث. فيمكن تذكيره أيضا، ولكن القاعدة هي التأنيث.

وإذا ورد تأنيث (عنكبوت) في كلام عربي فهو من أجل هذه القاعدة وليس من أجل إرادة الأنثى. فالأنثى هي (عنكبة) كما بينا.

وزغلول النجار، سامحه الله، إذ يورد عن بعض أئمة اللغة أن لفظ (عنكبوت): (يذكر ويؤنث)، ويوهم بذلك أن تأنيثه في قوله (اتخذت بيتا) هو مقصود قصدا خاصا من إجل إرادة الأنثى؛ إنما يخلط الأمور، لأن لفظ (عنكبوت) وإن كان يجوز تذكيره ويمكن أن يأتي تذكيره في كلام عربي (وإن لم أجده إلا في شطر بيت شعري، ضرورةً)، ولكن ما ورد في الآية من التأنيث هو بمقتضى القاعدة الأصلية التي تجعل لفظ (عنكبوت) مؤنثا معنويا لا علاقة له بالتأنيث الحقيقي. فلا يفيده ورود التذكير في زعمه أن تأنيث اللفظ في الآية من أجل إرادة الأنثى. أي: إذا ورد التأنيث فهو القاعدة، وإذا ورد التذكير فهو لأن التأنيث غير واجب مثل تأنيث المؤنث الحقيقي.

وأما ما قاله صاحب البحر، من أن لفظ (عنكبوت): "يؤنث ويذكر"، فهو من الاختصار المخل، إذ يجب أن يكون واضحا أن لفظ (عنكبوت) ـ باعتباره اسم جمع لغير العاقل ـ مؤنث، وكذلك (إبل)، وبذلك نزل القرآن. وأما التذكير فهو جائز أيضا، كما بينا، ويمكن العثور على شاهد أو شواهد قليلة في الكلام العربي على ذلك. ومع ذلك، فهذا القول المختصر لا يفيد شيئا لمن يريد أن يقول إن تأنيث (عنكبوت) في الآية من أجل إرادة الأنثى، كما بينتُ.

وأما (نحل) و (نمل) مثلا، فهما اسما جنس وليس اسما جمع، لأنهما يمكن إفرادهما (أي: الدلالة على فرد واحد من مصاديقهما) بإدخال تاء الإفراد عليهما، فيقال: نحلة، نملة، للدلالة على واحد من النحل والنمل. فهذا النوع، أي اسم الجنس، اختلفت فيه اللهجتان الحجازية والتميمية، فلغة أهل الحجاز هي التأنيث وبه نزل القرآن، ولغة تميم هي التذكير. وربما يعود تأنيث اللفظ في الحجازية إلى أن لفظ (نحل) مثلا وإن كان ليس مجموعا في نفسه إلا أنه يُعتبر جمعا و مفردُه (نحلة)، ولذلك يؤنث في تلك اللهجة تأنيثَ الجمع.

ولذا يمكن لِلُغويّ أن يقول إن النحل مذكر، ولكن هذا محمول على قصد اللهجة التميمية، وأما ما في القرآن فهو التأنيث. وإذا كان القرآن الكريم يؤنث (النحل) فذلك مصداق لكون القرآن نزل بلغة قريش، ومن أجل التأنيث المعنوي للفظة في تلك اللهجة، وليس من أجل تأنيث حقيقي.

أما ما قاله البيضاوي فشرحه ما قلته آنفا، من أن لفظة (نحل) مذكرة في نفسها إذ لم تلحقها تاء (مثل ما في: نحلة)، ومن هنا يقول البيضاوي إن التأنيث من أجل المعنى، أي من أجل أن لفظة (نحل) عامّة المعنى فتشبه اللفظ المجموع بدلالته على مجموعة. وربما أمكن لأحد أن يقول إن البيضاوي كان يقصد ما كان شائعا من التذكير الذي يعود إلى اللهجة التميمية، ويبدو أنه شاع في اللسان العربي في العصور اللاحقة، ونحن نعلم أن كثيرا من خصائص العربية الفصيحة الحديثة تعود إلى غير اللهجة الحجازية. ولكن ما يمنعني من تصديق ذلك هو أنه لا يمكن أن يطلق البيضاوي القول بتذكير لفظة (نحل) وهو يعلم اللهجتين المختلفتين في

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015