(قالَ مالكٌ رضيَ اللهُ عنه: ماطرحته المرأةُ من مضغةٍ أو علقةٍ، أو ما يُعلَمُ أنَّه ولدٌ إذا ضُرِبَ بطنُها ففيه الغُرَّةُ، وقالَ الشافعيُّ: لا شيءَ حتى يَتَبَيَّنَ من خَلقِه).

ولك أن تراجع تفسير الآية من سورة الحج عند القرطبي رحمه الله.

فهذا الإمامُ القرطبيُّ المُتَوَفّى سنةَ 671 هـ يذكرُ ما يراه حكمَ الشرعِ فيما تلقيه المرأةُ، هل تنقضي به عِدَّتها أم لا؟ وأنَّ النطفةَ ليست بشيءٍ ولا عبرةَ بها، أي لا تنقضي بها عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ أو المتوفى عنها زوجُها، لأنها ليست حملاً، فإن ألقتها علقةً فهي أوَّلُ أحوالِ ما يُتَحَقَّقُ به أنَّه ولدٌ، وكذلك المُضغةُ وما فيها من صورةٍ وتخطيطٍ، والمقصودُ هنا أنَّ العِدَّةَ تنقضي بإسقاطِ العَلََقَةِ والمُضغةِ، بخلافِ النطفةِ عند المالكيَّةِ، وكذلك الأمرُ في ثبوتِ حكمِ أمِّ الولدِ، وأنَّه تجبُ في إسقاطِه الغُرَّةُ، أفتراه يُفتي ويحدِّثُ بما لا عهدَ له به؟ ويُنَزِّلُ أحكامَ الشرعِ على مناطٍ لم يعرفْه ولم يحقِّقْ فيه؟ ثم إنَّه يذكرُ فيها قولَ الإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ المتوفى سنةَ 179هـ وقولَه بأنَّ العَلَقَةَ معتبرةٌ، وقولَ الشّافعيِّ المتوفى سنةَ 204 هـ بأنَّه لا عبرةَ بإسقاطِ العَلَقَةِ، أي لا تنقضي به العِدَّةُ، وأنَّ الاعتبارَ إنما هو بظهورِ الصورةِ والتخطيطِ!!!

انظر -أخي- إلى أقوالِ العلماء، ثم انظر إلى خلافِهم فيها قبلَ ما يقاربُ ثلاثةَ عشرَ قرناً من الزمنِ، أيُتَصَوَّرُ أن يكونَ خلافاً في غيرِ محسوسٍ ولا معهودٍ لهم؟ وأنهم كانوا يقولون برأيِهم في دينِ اللهِ على غيرِ هدىً؟ وأنهم كانوا يفتون فيما لا علم لهم به؟

أليس يلزمُ من قولهم إنَّ العربَ لم تكن تعرفُ أطوارَ الجنينِ تجهيلُ هؤلاء العلماءِ؟ وأنهم كانوا يُفتون الناسَ بما لم ينكشف لهم وما لم يروه؟!

قارن كلام القرطبي بكلام أهل التخصص وسيتبين لك ما غاب عنك من فهم كلام الأولين:

"لقد حدد رسول الله صلي الله عليه وسلم تطور نمو الجنين خلال الأربعين يوما الأولي في الحديث التالي: "عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: حدثنا رسول الله – صلي الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق , قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما , ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك , ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك , ثم يبعث الله ملكا يؤمر بأربع كلمات , ويقال له: اكتب عمله ورزقه وشقي أو سعيد , ثم ينفخ فيه الروح ... " (رواه مسلم , في كتاب القدر , واللفظ له و البخاري , في كتاب بدأ الخلق, و الحديث بنفس النص في البخاري إلا أنه بدون عبارة " في ذلك" ..

و الحديث السابق يعني أن تجميع عناصر خلق الإنسان (أو جمع الخلق) يتم في الأربعين يوماً الأولى وأنه خلال هذه الفترة (الأربعين يوماً الأولى) تبدأ وتنتهي مراحل النشأة المبكرة (النطفة، العلقة، والمضغة) , وحسب علم الأجنة المعاصر , نجد أن الجنين في الأسبوع الخامس يتميز باتخاذ شكلا متقوساً، ولا يتجاوز حجمه نصف بوصة، ويبلغ جزئه العلوي ثلثي حجمه الكلي، كما يكتسب براعم للأطراف، ويكون له ذيل، وقلب بدائي يخفق بانتظام , وتظهر الأطراف العليا في الأسبوع الرابع و في بداية الأسبوع الخامس تبدو مثل المجداف, إلا أنها تبدأ في التمايز إلي مناطق عند نهاية الأسبوع الخامس , حيث تنشأ صفائح اليدين والتي يظهر عليها الأصابع كالأشعة ..

و بنهاية الأسبوع السادس , وقبل اليوم الثاني والأربعين , لا يكون الوجه واضحا ولا يبدو بصورة بشرية , فقبل اليوم الأربعين , يكون للجنين أعين و آذان و أعضاء تناسلية خارجية بدائية , وهي لا تعمل ولا تبدو بشرية , ومع ذلك فخلال الأسبوع الرابع تبدأ الأعين في النشوء , وتبدأ الآذان الداخلية نشأتها في بداية الأسبوع الخامس , وخلال هذه المرحلة الأولية لا يكون للآذان هيئة بشرية , و هذا الوصف لنشأة محصول الحمل يتوافق مع عبارة " يجمع خلقه " و التي وردت في هذا الحديث حيث أنها تصف المظهر الخارجي المتقوس للجنين وكذلك تشريحه الداخلي , حيث تتجمع أجهزة وأعضاء الجسم في صورتها الأولية داخل هذه الكتلة الصغيرة , و بالتالي فإن مصطلح (يجمع خلقه) المذكور أعلاه يعبر بدقة عن الناحية التشريحية للجنين.

أطوار الجنين في الأربعين يوما الأولي , حسب الحديث السابق:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015