ثانيا: زعمك بأن الذين يقولون بالإعجاز العلمي يزعمون بأن العرب لم يدركوا المقصود منها هو بعينه (أقصد قولك) زعم باطل. فمن الذين يقولون بأن العرب لم يدركوا المقصود منها؟؟؟؟ بل الذي نقوله أن العرب فهموا من معاني الآيات الكريمة ما يقيم عندهم الدليل على أن القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونحن في هذا العصر تبيّنت لنا من معاني نفس هذه الآيات الكريمة دلائل جديدة ما يقيم لدينا الحجّة والبرهان الظاهر على أن هذا الكتاب هو من عند الله تعالى.

ولا نعيب على السابقين فهمهم، لكن ما ورد في بعض التفاسير على المسائل العلمية التي ظهر بالدليل القطعي بطلانها، فإننا نردها، نحو ما نجده في بعض التفاسير أن للأرض حدا نهائيا وطرفا بعده تنزل الشمس لتغيب في عين من صلصال آسن ... ويقول البعض أن الخضر عليه السلام وصل إلى حد الأرض ووجد عندها عين الحياة ... فهذا كله نردّه ... أو أن الشمس تغيب عن جميع الأرض لتسجد عند العرش ... فما ثبت من ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نفهمه وفق اللسان العربي بالمجاز لأن الأرض والشمس تدوران تعاقب الليل والنهار فيكون المقصود معاني السجود الأخرى ...

ثالثا: أما النقطة الثالثة فأنت ألزمت نفسك بما لا يلزم؛ صحيح أنه يجب أن نعلم بدلالة ألفاظ القرآن الكريم ومعانيها وقت نزوله، لكن هذا لا يلزم منه بطلان القول بالإعجاز العلمي.

وبإمعان قليل للمثل الذي ضرته أثناء كلامك أخي الحبيب يبتبين لنا وجه الحق بإذنه تعالى:

يقول الله سبحانه وتعالى مظهرا آيات قدرته على إعادة الخلق:

(أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) (القيامة:3 - 4)

فما من شك بأن هذه الآية الكريمة تظهر عظيم قدرة الله تعالى على إعادة الخلق بعد فنائه على أكمل وجه وأكبر دقّة، فلو فهم الصحابة وغيرهم أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يسوي أي جزء من أجزاء الإنسان مهما صَغر، حتى أصبعه وطرف أصبعه؟ لا يعيب أحد عليه فهمه، لكن أخي الكريم

الأتجد أن آيات القدرة والعظمة الإلهية تتجلى لنا بصورة أكبر إذا علمنا بأن هذا الأصبع وطرفه يحوي من الأمور والعلامات التي تفرّقه عن جميع البشر، فيصبح فهمنا للآية الكريمة، أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعيد خلق الإنسان بأدق تفاصيله، فلا يغيب عليه من إعادة الخلق شيء حتى تلك العلامات الموجودة في بنانه والتي لا يتماثل فيها أحد من البشر فالله تعالى يعيد الإنسان بذاته فلا تتداخل في إعادة الخلق أدق الأمور. فيتحقق الإنسان بأن الله تعالى عالم بأدق مما يعلم الإنسان عن نفسه قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18)

فالمثال القرآني أعظم وأبلغ وأرفع وأجل من المثال الذي أوردته في كلامك السابق حيث تقول: ((أن العرب تقول في وصف الحاذق الماهر في صنعته: إن له عليها إصبعا

أي إن له على ما يصنع أثر حذق ومهارة فدلوا عليه بالإصبع. فما يمنع من حيث دلالة الألفاظ أن يكون قائل هذا المثل قبل أكثر من ألف سنة أراد أن يشير إلى هذه الحقيقة التي كشف عنها العلماء حديثاً؟؟))

والمانع كبير جدا، فهذا الكلام الذي أوردته دليل على جانب من جوانب اللغة وهو المجاز، ومن هذا الوجه (أنه دليل على المجاز في لغة العرب) أسلم لك به.

لكن ما من وجه لمقارنته بما ورد في الآية الكريمة، فكلام القائل يشير به إلى أنه استخدم هذا الأصبع بدقة أظهرت جودة صناعته. وليس هناك من دليل قريب أو بعيد ما يشير إلى أن القائل يدلل على قدرته وعلمه بخلق هذا الأصبع وبمحتواه، وكلامه ليس في محل الاستشهاد على دقة الخلق لنقول بأنه يحتج به في أنه سابق لعصره، فهذه العبارة تستخدم لهذا اليوم وإن اختلفت أوجهها؛ (ألا نقول لمن تحسن صناعة الطعام، إن لها نَفَسا في طبيخها) وبهذا تنتفي الحجة في هذا المثل.

وغاية القول: إن التفسير العلمي لا يؤخذ بمنأى عن اللغة العربية وفهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولا يلزم منه القول بأن الله خاطب الصحابة بما لا يفهمون.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015