و يعضدنا أيضا قوله تعالى:

كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

أما المثاني فإن شئت أنها صفة لهذه السبعة و هي صفة للكتاب على عمومه .. و يبينه قوله تعالى:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ

فإن قلت أن ذلك أحسن الحديث و هو كتاب أيضا .. أصبح الكتاب كتابين .. و هو كلام باطل .. و إن اطمأن إليه قلبك على بطلانه أبطل ما ذهبت إليه من كون القرآن جزء من الكتاب ..

فالقرآن هو ما يقرأ بالوحي و الكتاب ما خطه القلم بالوحي أيضا .. و الذي يحاججنا بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكتب أصلا و لا تعلم الخط قلنا له إنه لم يتعلم فمن أين آتاه القرآن .. و سيقولون من عند الله .. و سنقول لهم إن الذي علمه الحرف وحيا قادر أن يرسم شكله في قلبه دون أن يتعلم كتابته بيده .. و هذا كلام يطول شرحه و ليس هذا مجاله غير أنه من البد الإشارة إليه ..

فالكتاب هو ما خط و يفسره قوله تعالى:

وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ

لذلك يضاف إليه فعل اقرأ كما في قوله تعالى:

اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا

و قوله تعالى:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ

و قوله تعالى:

أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا

و هو ما ذهب إليه الناس أن ينزل عليهم كتابا مكتوبا .. و يفسره قوله تعالى:

وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ

و الذي أنزله الله من كتاب و قرآن إنما أنزله وحيا ..

ثم قولك أن ليس في الفاتحة ما تطلب فيه الفتنة أو التأويل .. فإن ما حصل من طرح الموضوع يجيبك عنه ..

ثم أني أنبهك إلى شيء هو أن تمحص القول جيدا قبل أن تطلق الحكم على من سبقك بالعلم و الصحبة أنهم ليسوا على شيء من هذا العلم .. و لعلي أذكرك بقوله تعالى:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

فإن كنت ترى أن العقل وسيلة للإدراك .. فإني أقول لك إنه وسيلة لإدراك ما يدرك .. و من علم القرآن ما لا يدركه العقل فتبينه لنا سنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه و سلم.

ثم أجدك تقول

أولا لم ينزل على الصحابة شيء من السماء وما كانوا مرسلين.غير أني أستثني الإمام عليه كرم الله وجهه منهم لسماعه ما نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وليس على علي.

.

فأنت تقول أن استثنائك لعلي من بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كان مرده كون علي كرم الله وجهه كان سمع القرآن مباشرة من النبي عليه الصلاة و السلام، و أنا أقول لك أين كان بقية الصحابة حين كان علي يستمع لذلك، أم إنهم وقتها كانوا مشتغلين بكرة القدم؟

و هل أمر الرسول بإبلاغ القرآن و إسماعه فقط لعلي؟ فأين الخبر الذي يورد ذلك؟

إنك تسقظ بهذا الكلام .. غير أني لا أحب لك العثرة لذلك فأنا أكلمك بإخلاص قلب و إن كان في قولي شيء من الغلظة التي أظنك ستتحملها مني ..

ثم قلت:

ألا تدري لو أن أحد من رواة الحديث رأى اليوم بشرا منا بطائرة وهاتف وسلاح لضن أنه جبرائيل عليه الصلاة والسلام؟ بربك ما أفضل فكر من علم كيف بدأ الخلق وفكر من علم علمنا أم فكر من عاش قبلنا بالف سنة وأكثر

.

فهذا لا أدريه .. أما الذي أدريه هو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ذات يوم يخطب على المنبر في المدينه .. فسمعوه يقول في أثناء الخطبة: ياسارية .. الجبل ... ياسارية الجبل ..

فتعجبوا .. من يخاطب؟ وكيف يقول هذا الكلام في أثناء الخطبة ..

فإذا الله سبحانه وتعالى قد كشف له عن سرية في العراق ..

كان قائدها سارية بن زنيم وكان العدو قد حصرهم .. فكشف الله لعمر عن هذه السرية كأنما يشاهدها رأي عين ..

فقال لقائدها ياسارية .. الجبل ...

يعني تحصن بالجبل ..

فسمعه سارية وهو القائد .. وهو في العراق .. ثم اعتصم بالجبل ...

فأنى يعجب من يكشف الله عين البصيرة ممن أنعم الله بعين البصر ..

من يعجب من من .. فافهم ترشد

أما أفضلية من علم علم السابق و علم من علم علمنا فإني أقول لك أن علمنا لم يكن بدون سابق العلم و هو الأصل، و بذلك فالفضل يرجع إليهم لا إلينا .. و لولاهم لكنت اليوم تدور عاريا في فناء الكعبة أو قل لباعوك عبدا بنصف درهم أو لتولاك يهودي لدين لم يقدر أبوك تسديده ...

و لا أظنك تكون من أرباب الدولة لأن منطقك غير منطق الأرباب ..

و لولاهم لما تعلمت الحرف و أتقنته ..

و لولاهم لما صغت فكرا ..

و لولاهم لما ركبت طائرة و لا جبت بحرا بسفينة ..

و لولاهم ما وقفت معنا في هذا المنتدى تستجدي من يستمع إليك ..

فكيف تنكر فضلهم عليك من ليس لك عليهم فضلا .. و لا تسدد دينك لمن أنت مدين لهم بإيمانك ..

أم أنك ترى في الطائرة قوة أقوى من فرس يركبه المجاهد منهم في سبيل الله .. فأين هي هذه الطائرات .. فإنا نسمع وقع ما تمطر على الأرض و مع ذلك لا تنبض القلوب إلا بالحق و بما يرضي الله ..

اذهب و تعلم عن ذلك العلم و هذا العلم ..

تعلم ممن حررك .. و أسرج لك النور لتهتدي ..

يغفر الله لي و لكم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015