ـ[محبة القرآن]ــــــــ[26 Jul 2009, 04:54 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة النازعات

المقطع الثالث

(هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى): ما أجمل التعبير القرآني وألذه , وما أحسن سبكه ونظمه، حينما ينتقل من أسلوب إلى أسلوب , فقد أتى بطريقة الاستفهام، لتنبيه الأفهام، ولفت الأنظار. والمخاطب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , وما من قصة جرى تكرارها في القرآن، كقصة موسى! كثيراً ما يذكر الله عز وجل، قصة موسى، عليه السلام، في القرآن، ويعرضها بصور متنوعة. وسر ذلك، والله أعلم، ما تضمنته قصة موسى عليه السلام من المواقف الجليلة، والعبر العظيمة، ولتشابه حال موسى، عليه السلام، بحال محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن موسى عليه السلام أخرج أمته من الكفر، والظلم، والبغي, وأسس دولة كما محمد صلى الله عليه وسلم. ولأن اليهود كانوا شوكة في جنب المسلمين في المدينة، فأراد الله أن يبين حالهم، وأخلاقهم، وصنيعهم مع نبيهم.

وها هنا إشكال! قد يقول قائل: أليس الله تعالى ذكر ما يدل على أن قصة يوسف أحسن القصص؛ فإنه قال بين يدي سورة يوسف: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القران وإن كنت من قبله لمن الغافلين) , فلم لم يقع تكراررها، كما تكررت قصة موسى؟

والجواب: أن قصة يوسف، عليه السلام، قصة من القصص, وقصص غيره من الأنبياء أعظم فائدة , فإن أنباء الرسل، وما جرى بينهم وبين أقوامهم من المسائل حول الكفر والإيمان، أكثر أهمية من قصة يوسف عليه السلام. فلا يلزم أن يكون هذا الاستهلال في أول سورة يوسف خاصاً بتلك القصة, وإنما هو وصف لقصص القرآن جميعاً, لكن، لما كانت هذه السورة من أولها إلى آخرها قصة، ناسب ذكر ذلك في أولها. وربما يقال: أنه أتى بهذا التعبير " أحسن القصص " بين يدي قصة يوسف، لأنها من الناحية القصصية البحتة، فيها ما ليس في غيرها من السور, من عنصر المفاجأة, والتنقل من حال إلى حال, ومن نعمة إلى نقمة, ومن نقمة إلى نعمة, ومن منحة إلى محنة, ومن محنة إلى منحة, ومن عز إلى ذل, ومن ذلً إلى عز. ففي هذا التنوع، من الناحية القصصية الفنية البحتة ما ليس في سواها من القصص.

(إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى): لم يسق سبحانه جميع قصة موسى هنا, وإنما ذكر سبحانه موقفاً هاماً، مؤثراً، عظيماً، جليلاً, وهو تكليم الله له تعالى له دون واسطة. فإن موسى، عليه السلام، لما سار بأهله من صحراء مدين، وقارب الطور، آنس ناراً فقصدها, فلما اقترب من النار كلمه الله عز وجل. فكان هذا الموقف بالنسبة لموسى أشرف موقف، ولا ريب.

(إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ): والمناداة هي الصوت لمن بعُد , كما أن المناجاة هي الصوت لمن قرب, (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً) فالمناجاة للقريب، والمناداة للبعيد.

(بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى): المقدس: المطهر, واسمه طوى , هكذا رجح ابن كثير، رحمه الله، وغيره. وقيل: أنه بمعنى طء , يعني أمر لموسى بالوطء، والسير عليه. وقيل: معنى طوى: الذي طويته, أي طويته يا موسى وسرت فيه. وقيل: أن طوى: بمعنى مرتين , يعني: إذ ناده ربه بالواد المقدس مرتين, وكأنه قصد بالمرتين المناداة، والمناجاة, فصارت الأقوال في معنى " طوى " أربعة، أقربها أنها اسم للوادي.

(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ): هذا هو نص النداء، نص تكليم الرب لموسى الكليم. وفرعون لقب يطلق على من ملك مصر من أهلها. وفي سورة يوسف سمى الله صاحب مصر ملكاً فقال: (وقال الملك أتوني به). وفي هذا إشارة إلى أن ملوك مصر زمن يوسف، عليه السلام، غير الفراعنة، وهم (الهكسوس). وهؤلاء (الهكسوس) قبائل أغارت على مصر في فترة معينة، إبَّان حكم الأسر الفرعونية المتعاقبة. أما في زمن موسى، عليه السلام، فقد عاد الفراعنة إلى ملك مصر. والمقصود أن (فرعون) لقب لمن ملك مصر، كما أن (كسرى) لقب لمن ملك الفرس, و (قيصر) لقب لمن ملك الروم , و (المقوقس) لقب لمن ملك القبط, و (النجاشي) لقب لمن ملك الحبشة , و (الخاقان) لقب لمن ملك الترك, وهكذا.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015