(أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً): يعني بعد أن كنا عظاماً، بالية، فانية, فارغة يصوِّت فيها الريح؛ لأنها لما بليت، صارت مجوفة، فصارت الريح تصفر فيها، تدخل، وتخرج. وقيل أيضاً من معاني نخرة: مرفوتة، يعني مدقوقة محطمة.

(قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ): يعني إن كان الأمر كذلك، فهذه رجعة لا خير فيها، والعياذ بالله؛ لأنهم يعلمون أنهم أساءوا في الأولى، فهم غير متفائلين لهذه الرجعة، فلذلك حكموا على رجعتهم بأنها خاسرة،لا خير فيها.

(فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ): يعني كل ما في الأمر, فالأمر هين بالنسبة لله عز وجل، أنها زجرة واحدة، وحسب. , والزجرة: هي الصيحة, لكنها بهذا التعبير زجرة تعطي معنىً أشد، من كلمة صيحة, ففيها معنى العنت، والعنف, زجرة واحدة، لا مثنوية فيها.

(فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ): يعني فإذا القوم تنشق عنهم قبورهم، ويبعثون؛ ليكونوا في الساهرة, والساهرة: هي الأرض بعد التبديل. يقول الله عز وجل: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) , فالأرض التي يبعث عليها الناس، أرض كالقرصة, وكالخبزة , ليس فيها معلم لأحد؛ فإن الله أخبر أن الجبال تدك، فتصبح: (قاعاً صفصفاً. لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً) , مشهد مهيب، مهول, تعود الأرض ممدودة كمد الأديم، ليس فيها معلم لأحد؛ لا جبل يشرف منه الإنسان، ولا وادٍ يُكنُّه, بل يصبح الناس على حد سواء. هذه هي أرض المحشر. وقيل في تفسير الساهرة أي: أنها اسم مكان معروف من الأرض في الشام, وقيل: إنه جبل إلى جانب بيت المقدس. وأقرب هذه الأقوال أن الساهرة هي الأرض التي تكون بعد التبديل, أرض ليست كأرضنا التي نحيا عليها الآن, بل أرض مهيأة لاجتماع الخلائق عليها, منذ آدم عليه السلام إلى آخر من يموت على وجه الأرض, ليس الآدميين فحسب، بل كما سيأتي إن شاء الله , (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) , فالعشار, والوحوش, وكل شيء يجتمع على تلكم الأرض.

هذه الآيات العظيمة تتضمن إقرار عقيدة البعث، بأوضح ما يكون، وبأشد ما يكون! فالله سبحانه وتعالى يبدأ بذكر ما يجري يوم القيامة؛ من رجف الأرض, فيخبر الله عز وجل بأن هذه الأرض المستقرة، التي امتن علينا باستقرارها في موضع، فقال: (أمن جعل الأرض قراراً) , ضع يدك على الأرض تحس أنها مستقرة, لم يدر بخلدك يوماً أن تتحرك، وتهتز, هذه الأرض ترجف (يوم ترجف الراجفة) , ورجف الأرض مقارن للنفخة الأولى, فلا تعارض بين التفسيرين, ولا مانع من الحمل عليهما معاً, (تتبعها الرادفة) نفخة أثر نفخة. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن بينهما أربعون, فقيل: أربعون سنة؟ قال: أبيت، فقيل: أربعون شهراً؟ قال: أبيت , قيل: أربعون يوماً؟ قال: أبيت. فالله أعلم، بأي تقدير تلك الأربعين,. ويكون حال الناس، ما وصف الله تعالى من وجف القلوب، واضطرابها, ومن خشوع الأبصار وقلقها، وحيرتها، فزعاً مما هي مقبلة عليه. ويتساءل المنكرون للبعث في ذلك المقام، تساءل المشدوه، الفزِع، المصدوم: (أإنا لمردودون) لما كنا فيه من حياة, معادون للأرض التي كنا نسكنها؟ يا لها من خسارة فادحة! فهم قد علموا من حالهم أنهم كانوا مكذبين، وحق عليهم ما توعدهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، فأدركوا أن أمرهم في خسار، وسفال, فلذلك جزموا (تلك إذاً كرة خاسرة) , وبين الله تعالى أن الأمر حق، لا مثنوية فيه: (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة).

هذه الآيات تضمنت العديد من الفوائد منها:

الأولى: إثبات النفختين.

الثانية: عظم شأن الساعة. ولهذا كان من رحمة الله عز وجل أن الساعة، لا تقوم على مؤمن , لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق.

الثالثة: بيان مظاهر الخوف؛ الظاهرة، والباطنة؛ الباطنة في القلوب , والظاهرة في الأعين.

الرابعة: صدمة الكفار يوم القيامة, وشدة ندمهم.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[24 Jul 2009, 05:40 م]ـ

أحسنتم أختي الكريمة بارك الله فيك.

فكرة التفسير العقدي فكرة بديعة، والدكتور أحمد القاضي صاحب إبداعات وفقه الله ونفع بعلمه وجهده. وليته يستمر مثل هذا المنهج في التفسير حتى يكتمل ولا سيما في السور المكية.

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[26 Jul 2009, 04:52 م]ـ

أحسنتم أختي الكريمة بارك الله فيك.

فكرة التفسير العقدي فكرة بديعة، والدكتور أحمد القاضي صاحب إبداعات وفقه الله ونفع بعلمه وجهده. وليته يستمر مثل هذا المنهج في التفسير حتى يكتمل ولا سيما في السور المكية.

وفيك بارك الله أخي الكريم ..

سأسعى قدرالمستطاع في الإستمرارفي هذا المنهج في هذا الملقى المبارك، بإذن الله تعالى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015