الدراسات القرآنية الحديثة ستبقى مشغولة إلى أمد غير قليل بمسألة تاريخية القرآن والتحليل الكلي له، وكلا الموضوعين في الواقع هما تعبير عن مركز تحديات الإسلام في معركته مع الحداثة، فالعلمانية (بمنظورها الفلسفي) تقتضي أنسنة كل شيء وَوَضْعَنَتَهُ.
والتعامل مع العصر يحتاج إلى مفاهيم وتأويلات جديدة سيكون التفسير الكلي بابها، وجديد الجديد فيما يخص الدارسات الكلية الغربية والعربية الحداثية للقرآن أنها بدأت تقرأ القرآن قراءة متربصة بحثا عن "العفريت"؛ أعني الإرهاب (مثل دراسة كريستوف لوكسمبورج)، أو محاربة للتصورات الدينية المقاومة تحت مسمى الإرهاب (مثل الدراسة الإسرائيلية التربوية "قرآن نت: مشروع اجتماعي").
وهذا مؤشر خطير على اتجاه لتفسير القرآن بالشيء ونقيضه لأغراض سياسية بحتة، وهو اتجاه يقتات على الدراسات العلمية للقرآن ويزرع بذور الانحياز فيها، وسيكون بمقدور دراسات الخطاب القرآني فيما إذا بدأت بالفعل في عالمنا الإسلامي من قبل المتخصصين في الدراسات الإسلامية أن تقوم بالتصدي لهذه الانحيازات الأيديولوجية وكشف التلاعبات السياسية بتأويلات القرآن الكريم تحت دثار العلم.
إن مهمة تطوير الدراسات القرآنية هي مسئولية علماء القرآن والباحثين المعاصرين في الجامعات والأكاديميات الإسلامية، وفي هذا الإطار فإن الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا أدخلت في مفردات مناهجها مقرر "الخطاب القرآني" ( Qur'anic عز وجلiscourse)، ويعتبر هذا المقرر فريدا من نوعه؛ إذ لا يوجد شبيه له في الجامعات الأخرى، الغاية منه مواكبة التطورات الحاصلة في دراسة القرآن الكريم التي نقلت دراسة القرآن من النص إلى الخطاب وفتحت مجالات جديدة للبحث في الدراسات القرآنية.
نحن ما زلنا بحاجة لتعريف الخطاب القرآني، لكن هذا التعريف لا يمكن أن يتم بصورة علمية دون معرفة عميقة ودقيقة بموضوع الخطاب ومفهومه في الدراسات اللسانية والاجتماعية الحديثة ومناهج تحليله، وهذه عقبة سيتم تجاوزها بلا شك مع تزايد النزوع الأكاديمي للدراسات العربي، وتراجع الرهاب من العلوم اللسانية والاجتماعية الغربية في حقل الدراسات الإسلامية الذي بدأنا نشهد ملامحه في السنوات الأخيرة، وإذا ما تم تجاوز هذه العقبة، فإننا مقبلون ولا شك على تطور نوعي في الدراسات القرآنية، عنوانها تحليل الخطاب والانتقال من التفسير التقليدي التحليلي إلى مستوى تحليل الخطاب.
--------------------------
{1} انظر للباحث: تأسيس أصول التفسير وصلته بالبحث الأصولي، مجلة إسلامية المعرفة ( http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit_article_read.asp?articleIعز وجل=392&catIعز وجل=17&adad=34)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، العدد 37، 2005.
عن موقع إسلام أونلاين
على الوصلة:
http://mdarik.islamonline.net/servlet/Satellite?c=صلى الله عليه وسلمrticleصلى الله عليه وسلم_C&cid=1237705429576&pagename=Zone-صلى الله عليه وسلمrabic-Mعز وجلarik/Mعز وجلصلى الله عليه وسلمLayout&ref=body
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[28 May 2009, 11:12 ص]ـ
حياك الله أستاذ عبد الرحمن،
ولعلي سبقت المشرفين في الترحيب بك في المنتدى.
ويسعدني استمرار التواصل.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[28 May 2009, 11:36 ص]ـ
أرحب بأخي العزيز الأستاذ عبدالرحمن الحاج في ملتقى أهل التفسير، وأشكره على هذه المقالة.
ونحن في مدارسنا العلمية السلفية خصوصاً تعودنا على نبذ هذه المناهج في دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية مطلقاً لما ظهر لنا من سوء استخدامها من قبل فئام من الكتاب المعاصرين الذين اتخذوها ذريعة للطعن في القرآن والسنة، والذهاب بعيداً في تأويلها دون ضابط علمي معتبر.
في حين أن هذه المناهج لا تعدو كونها أدواتٍ منهجية في الدرس، يمكن الإفادة منها في تجديد مناهجنا الدراسية في النظر إلى القرآن الكريم وعلومه.
غير أننا في حاجة إلى أمور:
أولاً: دراسة هذه المناهج دراسة علمية من باب التعرف على ما فيها من الحق والصواب، وتقدير قيمة ما يمكن أن تؤدي إليه من النتائج العلمية المفيدة لنا في حقل الدرس القرآني خصوصاً.
ثانياً: الاطلاع على نماذج منجزة من هذه الدراسات تكشف لنا شيئاً من فوائد تطبيق هذه المناهج في الدراسة.
ثالثاً: ما هي الطريقة المقترحة برأيكم - والخطاب للأستاذ عبدالرحمن الحاج - للبدء في الإفادة من هذه المناهج في الجامعات الإسلامية أسوة بالجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا التي قررت درس (الخطاب القرآني) في مناهجها، وليتكم تكشفون لنا عن مفردات هذا المقرر، وكيفية الإفادة من هذه التجربة ولو على المستوى الفردي في بقية أنحاء العالم الإسلامي.
وأؤكد على أن الخطاب النقدي للحداثة ومناهجها لدينا ما يزال يأخذ بُعداً تحذيرياً أكثر منه بُعداً علمياً يكشف حقيقة هذه المناهج وتحليلها بعيداً عن الذين أساءوا استخدامها، وهذه مهمة لم أجد من تصدى لها حسب علمي بشكل مقنع يسهل فهمه للقارئ العربي البسيط من أمثالي.
¥