يسقاه بعنف فيتجرعه غصبا وكرها , ولا يكاد يسيغه , لقذارته ومرارته ,
والتقزز والتكره باديان نكاد نلمحها من خلال الكلمات!
ويأتيه الموت بأسبابه المحيطة به من كل مكان , ولكنه لا يموت , ليستكمل عذابه.
ومن ورائه عذاب غليظ. .
إنه مشهد عجيب , يرسم الجبار الخائب المهزوم ووراءه مصيره يخايل له على هذا النحو المروع الفظيع.
وتشترك كلمة (غليظ) في تفظيع المشهد , تنسيقا له مع القوة الغاشمة التي كانوا يهددون بها دعاة الحق والخير والصلاح واليقين.
ـ[شاكر]ــــــــ[13 May 2009, 10:32 م]ـ
وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
لقد انتقلت الرواية. . رواية الدعوة والدعاة , والمكذبين والطغاة. .
انتقلت من مسرح الدنيا إلى مسرح الآخرة:
(وبرزوا لله جميعا). .
الطغاة المكذبون وأتباعهم من الضعفاء المستذلين. ومعهم الشيطان. .
ثم الذين آمنوا بالرسل وعملوا الصالحات. .
برزوا (جميعا) مكشوفين. وهم مكشوفون لله دائما.
ولكنهم الساعة يعلمون ويحسون أنهم مكشوفون
لا يحجبهم حجاب , ولا يسترهم ساتر , ولا يقيهم واق. .
برزوا وامتلأت الساحة ورفع الستار , وبدأ الحوار:
(فقال الضعفاء للذين استكبروا: إنا كنا لكم تبعا. فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء؟). .
والضعفاء هم الضعفاء.
هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله
حين تنازلوا عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه ;
وجعلوا أنفسهم تبعا للمستكبرين والطغاة.
ودانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله.
والضعف ليس عذرا , بل هو الجريمة ;
فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفا ,
وهو يدعو الناس كلهم إلى حماه يعتزون به والعزة لله.
وما يريد الله لأحد أن ينزل طائعا عن نصيبه في الحرية - التي هي ميزته ومناط تكريمه - أو أن ينزل كارها.
والقوة المادية - كائنة ما كانت - لا تملك أن تستعبد إنسانا يريد الحرية , ويستمسك بكرامته الآدمية.
فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد , تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه.
اما الضمير. أما الروح. أما العقل.
فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها , إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال!
من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعا للمستكبرين في العقيدة , وفي التفكير , وفي السلوك؟
من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله , والله هو خالقهم ورازقهم وكافلهم دون سواه؟
لا أحد. لا أحد إلا أنفسهم الضعيفة.
فهم ضعفاء لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة , ولا لأنهم أقل جاها أو مالا أو منصبا أو مقاما. . كلا ,
إن هذه كلها أعراض خارجية لا تعد بذاتها ضعفا يلحق صفة الضعف بالضعفاء. .
إنما هم ضعفاء لأن الضعف في أرواحهم وفي قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان!
إن المستضعفين كثرة , والطواغيت قلة.
فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة؟ وماذا الذي يخضعها؟
إنما يخضعها ضعف الروح , وسقوط الهمة , وقلة النخوة ,
والتنازل الداخلي عن الكرامة التي وهبها الله لبني الإنسان!
إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير.
فهي دائما قادرة على الوقوف لهم لو أرادت. فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان!
إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء. . وهذه القابلية هي وحدها التي يعتمد عليها الطغاة!!
والأذلاء هنا على مسرح الآخرة في ضعفهم وتبعيتهم للذين استكبروا يسألونهم:
(إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء)؟. .
¥