ـ[شاكر]ــــــــ[11 May 2009, 09:30 م]ـ

(وقال الذين كفروا لرسلهم: لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا)!

هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية. .

إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها.

ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها.

وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها.

فالإسلام لا بد أن يبدو في صورة تجمع حركي مستقل بقيادة مستقلة وولاء مستقل , وهذا ما لا تطيقه الجاهلية.

لذلك لا يطلب الذين كفروا من رسلهم مجرد أن يكفوا عن دعوتهم ;

ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملتهم ,

وأن يندمجوا في تجمعهم الجاهلي ,

وأن يذوبوا في مجتمعهم فلا يبقى لهم كيان مستقل.

وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأهله , وما يرفضه الرسل من ثم ويأبونه ,

فما ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهلي مرة أخرى. .

وعندما تسفر القوة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة , ولا يبقى مجال لحجة ;

ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهلية. .

إن التجمع الجاهلي - بطبيعة تركيبه العضوي - لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله ,

إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي , ولتوطيد جاهليته!

والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي ,

والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع.

هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع ولحساب منهجه وتصوره. .

لذلك يرفض الرسل الكرام أن يعودوا في ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها. .

وهنا تتدخل القوة الكبرى فتضرب ضربتها المدمرة القاضية التي لا تقف لها قوة البشر المهازيل ,

وإن كانوا طغاة متجبرين:

(فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين. ولنسكننكم الأرض من بعدهم. ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد).

ولا بد أن ندرك أن تدخل القوة الكبرى للفصل بين الرسل وقومهم إنما يكون دائما بعد مفاصلة الرسل لقومهم. .

بعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها. .

وبعد أن يصروا على تميزهم بدينهم وبتجمعهم الإسلامي الخاص بقيادته الخاصة.

وبعد أن يفاصلوا قومهم على أساس العقيدة فينقسم القوم الواحد إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا. .

عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة , ولتدمر على الطواغيت الذين يتهددون المؤمنين ,

ولتمكن للمؤمنين في الأرض , ولتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين. . .

ولا يكون هذا التدخل أبدا والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي , عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته ,

غير منفصلين عنه ولا متميزين بتجمع حركي مستقل وقيادة إسلامية مستقلة. .

(فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين). .

نون العظمة ونون التوكيد. . كلتاهما ذات ظل وإيقاع في هذا الموقف الشديد.

لنهلكن المتجبرين المهددين , المشركين الظالمين لأنفسهم وللحق وللرسل وللناس بهذا التهديد. .

(ولنسكننكم الأرض من بعدهم). .

لا محاباة ولا جزافا , إنما هي السنة الجارية العادلة:

(ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد). .

ذلك الإسكان والاستخلاف لمن خاف مقامي , فلم يتطاول ولم يتعال ولم يستكبر ولم يتجبر.

وخاف وعيد , فحسب حسابه , واتقى أسبابه , فلم يفسد في الأرض , ولم يظلم في الناس.

فهو من ثم يستحق الاستخلاف , ويناله باستحقاق.

وهكذا تلتقي القوة الصغيرة الهزيلة - قوة الطغاة الظالمين - بالقوة الجبارة الطامة - قوة الجبار المهيمن المتكبر –

فقد انتهت مهمة الرسل عند البلاغ المبين والمفاصلة التي تميز المؤمنين من المكذبين.

ووقف الطغاة المتجبرون بقوتهم الهزيلة الضئيلة في صف ,

ووقف الرسل الداعون المتواضعون ومعهم قوة الله - سبحانه - في صف.

ودعا كلاهما بالنصر والفتح. .

وكانت العاقبة كما يجب أن تكون:

(واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد. من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد. يتجرعه ولا يكاد يسيغه , ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت , ومن ورائه عذاب غليظ). .

والمشهد هنا عجيب. إنه مشهد الخيبة لكل جبار عنيد. مشهد الخيبة في هذه الأرض.

ولكنه يقف هذا الموقف , ومن ورائه تخايل جهنم وصورته فيها , وهو يسقى من الصديد السائل من الجسوم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015