ليس من الضروري أن تتمثل في تلك الصور الأولية الساذجة. .
فالأصنام ليست سوى شعارات للطاغوت ,
يتخفى وراءها لتعبيد الناس باسمها , وضمان دينونتهم له من خلالها. .
إن الصنم لم يكن ينطق أو يسمع أو يبصر. .
إنما كان السادن أو الكاهن أو الحاكم يقوم من ورائها ;
يتمتم حولها بالتعاويذ والرقي. .
ثم ينطق باسمها بما يريد هو أن ينطق لتعبيد الجماهير وتذليلها!
فإذا رفعت في أي أرض وفي أي وقت شعارات ينطق باسمها الحكام والكهان ,
ويقررون باسمها ما لم يأذن به الله من الشرائع والقوانين والقيم والموازين والتصرفات والأعمال. . .
فهذه هي الأصنام في طبيعتها وحقيقتها ووظيفتها!
إذا رفعت "القومية " شعارا , أو رفع "الوطن" شعارا ,
أو رفع "الشعب" شعارا , أو رفعت "الطبقة " شعارا. . .
ثم أريد الناس على عبادة هذه الشعارات من دون الله ;
وعلى التضحية لها بالنفوس والأموال والأخلاق والأعراض.
بحيث كلما تعارضت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعليماته
مع مطالب تلك الشعارات ومقتضياتها , نحيت شريعة الله وقوانينه وتوجيهاته وتعاليمه ,
ونفذت إرادة تلك الشعارات - أو بالتعبير الصحيح الدقيق: إرادة الطواغيت الواقفة وراء هذه الشعارات -
كانت هذه هي عبادة الأصنام من دون الله. .
فالصنم ليس من الضروري أن يتمثل في حجر أو خشبة ;
ولقد يكون الصنم مذهبا أو شعارا!
إن الإسلام لم يجيء لمجرد تحطيم الأصنام الحجرية والخشبية!
ولم تبذل فيه تلك الجهود الموصولة , من موكب الرسل الموصول ;
ولم تقدم من أجله تلك التضحيات الجسام وتلك العذابات والآلام ,
لمجرد تحطيم الأصنام من الأحجار والأخشاب!
إنما جاء الإسلام
ليقيم مفرق الطريق بين الدينونة لله وحده في كل أمر وفي كل شأن ;
وبين الدينونة لغيره في كل هيئة وفي كل صورة. .
ولا بد من تتبع الهيئات والصور في كل وضع وفي كل وقت لإدراك طبيعة الأنظمة والمناهج القائمة ,
وتقرير ما إذا كانت توحيدا أم شركا؟
دينونة لله وحده أم دينونة لشتى الطواغيت والأرباب والأصنام!
(في ظلال القرآن)
ـ[شاكر]ــــــــ[10 May 2009, 08:42 م]ـ
فأما الحقيقتان اللتان تظللان جو السورة ,
وتتسقان مع ظل إبراهيم: أبي الأنبياء. الشكور الأواه المنيب ,
وهما حقيقة وحدة الرسالة والرسل , ووحدة دعوتهم , ووقفتهم أمة واحدة في مواجهة الجاهلية المكذبة.
وحقيقة نعمة الله على البشر كافة وعلى المختارين منهم بصفة خاصة. . فنفردهما هنا بالحديث.
فأما الحقيقة الأولى فيبرزها السياق في معرض فريد في طريقة الأداء.
لقد أبرزها سياق بعض السور الماضية في صورة توحيد الدعوة التي يجيء بها كل رسول ,
فيقول كلمته لقومه ويمضي , ثم يجيء رسول ورسول.
كلهم يقولون الكلمة ذاتها , ويلقون الرد ذاته ,
ويصيب المكذبين ما يصيبهم في الدنيا ,
وينظر بعضهم ويمهل إلى أجل في الأرض أو إلى أجل في يوم الحساب.
ولكن السياق هناك كان يعرض كل رسول في مشهد , كالشريط المتحرك منذ الرسالات الأولى.
وأقرب مثل لهذا النسق سورة الأعراف وسورة هود.
فأما سورة إبراهيم - أبي الأنبياء –
فتجمع الأنبياء كلهم في صف .. وتجمع الجاهليين كلهم في صف.
وتجري المعركة بينهم في الأرض , ثم لا تنتهي هنا , بل تتابع خطواتها كذلك في يوم الحساب!
ونبصر فنشهد أمة الرسل , وأمة الجاهلية , في صعيد واحد , على تباعد الزمان والمكان.
فالزمان والمكان عرضان زائلان ,
أما الحقيقة الكبرى في هذا الكون - حقيقة الإيمان والكفر - فهي أضخم وأبرز من عرضي الزمان والمكان.
...
فها هنا تتجمع الأجيال من لدن نوح وتتجمع الرسل ; ويتلاشى الزمان والمكان ; وتبرز الحقيقة الكبرى:
حقيقة الرسالة وهي واحدة.
واعتراضات الجاهليين عليها وهي واحدة.
وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة.
وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة.
وحقيقة الخيبة والخذلان للمتجبرين وهي واحدة.
وحقيقة العذاب الذي ينتظرهم هناك وهي واحدة. .
وذلك إلى التماثل بين قول الله لمحمد [صلى الله عليه وسلم]:
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).
وحكاية قوله لموسى - عليه السلام -:
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور).
ولا تنتهي المعركة بين الكفر والإيمان هنا بل يتابع السياق خطواته بها إلى ساحة الآخرة.
فتبرز معالمها في مشاهد القيامة المتنوعة التي تتضمنها السورة.
...
وهي كلها تشير إلى أنها معركة واحدة تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة ,
وتكمل إحداهما الأخرى بلا انقطاع ولا انفصال.
وتكمل الأمثال التي تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة كذلك إبراز معالم المعركة بين الفريقين ,
ونتائجها الأخيرة: مثل الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة: شجرة النبوة , وشجرة الإيمان , وشجرة الخير.
والكلمة الخبيثة: كالشجرة الخبيثة: شجرة الجاهلية والباطل والتكذيب والشر والطغيان.
وأما الحقيقة الثانية المتعلقة بالنعمة والشكر والبطر فتطبع جو السورة كله , وتتناثر في سياقها.
يعدد الله نعمه على البشر كافة , مؤمنهم وكافرهم , صالحهم وطالحهم , برهم وفاجرهم , طائعهم وعاصيهم.
وإنها لرحمة من الله وسماحة وفضل أن يتيح للكافر والفاجر والعاصي نعمة في هذه الأرض ,
كالمؤمن والبار والطائع: لعلهم يشكرون.
ويعرض هذه النعمة في أضخم مجالي الكون وأبرزها , ويضعها داخل إطار من مشاهد الوجود العظيمة:
(الله الذي خلق السماوات والأرض , وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ; وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره , وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين , وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه , وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. إن الإنسان لظلوم كفار). .
وفي إرسال الرسل للناس نعمة تعدل تلك أو تربو عليها:
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور). .
نفس المصدر السابق بتصرف
¥