قادرا على النظر الطويل والتأمل العميق في التراث الإسلامي باحثا في علومه عن الزاد المعرفي والمنهجي الذي يسمح للباحث الكشف عن حقائقه والنفاذ إلى جوهر معانيه. لقد أردنا من هذا التقديم أن نلمح إلى ما تنطوي عليه الدراسات والمباحث القرآنية من قضايا فكرية ومعرفية جليلة ودقيقة، لا ينبغي اختزالها في بعض "الطروحات" أو القراءات الحديثة المتهافتة والمبسترة، نتيجة ابتعادها عن قواعد المنهج الصحيح لدراسة القرآن للتوصل إلى مدلول النص. وقد تطرق الإمام الغزالي (8) إلى أن فهم النص يحتاج إلى معرفة اللغة ومنطقها، سواء تعلق الأمر عن دلالة المطابقة، ودلالة التضمين والمزايلة والمشكلة والمتشابهة والمستعارة والمنقولة، وعن المعنى الحقيقي والمعنى المجازي. وعن الخاص والعام والمطلق والمقيد، في إطار العلاقة بين المنقول والمعقول، فهناك رأي يجعل المعقول أصلا والمنقول تابعا، ورأي آخر يجعل من المنقول أصلا والمعقول تابعا، ورأي ثالث يجمع بين المعقول والمنقول.

وخلاصة رأي الإمام الغزالي انه يجب أن نفرق بين الإمكان والاستحالة العقلية المنطقية والإمكان والاستحالة الوجودية. وبين الإمكان الذي يتبادر إلى الذهن وبين الذي لا يدرك إلا بدليل. إلا أن التوفيق بين المعقول والمنقول بدقيق النظر هو المنهج الذي يتيح للفكر مقاربة مدلول النص والكشف عن معانيه الحكمية.

هذا ما أردت التأكيد عليه كمدخل لقراءة كتاب "النظر في القرآن"

( Penser le coran) الصادر باللغة الفرنسية سنة 2009 للكاتبين (محمود حسين). وسوف أبدا من العنوان حيث تستوقفنا كلمة ( Penser) وللكلمة في اللغة الفرنسية معان كثيرة ومضامين جمة: (ملكة التفكير La faculté de penser ) أن نفكر يعني أن نصدر حكما كما يقول الفيلسوف كانط ( Penser c’est juger) ومن معانيها أيضا النظر والتفكر والتأمل والتدبر ( Méditer réfléchir) وطريقة التفكير ( façon de penser)

وفي لسان العرب: نظر ينظر نظرا): النظر تأمل الشيء بالعين وكذلك النظرات. والنظر الفكر في الشيء تقدره وتقيمه.

يبدأ المؤلفان بشرح الدوافع التي دعتهم إلى تأليف هذا الكتاب حول القرآن الكريم.

يقول المؤلفان بأنه بعد صدور كتابهم حول سيرة الرسول عليه السلام قاما بجولة في أوربا والبلدان العربية، من أجل إلغاء سلسلة من المحاضرات، مما أتاح لهم لقاء شريحة واسعة من الجمهور .. ، وقد طرحت عليهم العديد من الأسئلة حول القرآن الكريم وربطه بالمحيط الذي نزل فيه rendue à son contexte) ) إلا أن السؤال الذي اعتبر انه يستحوذ على اهتمامات الجمهور يتعلق بمضامين الخطاب القرآني

( Ce que dit le Coran).

ما كان يريده الجمهور هو أجوبة بسيطة وقاطعة ومقنعة. وهذا النوع من الأجوبة يصعب عليهما تقديمه. ويتطرق المؤلفان لنماذج من الأسئلة التي طرحت عليهم " (هل يجيز القرآن عمل "الكامكاز Kamikazes أي أن يقوم شخص ما بتفجير نفسه في مكان عمومي يعرض فيه حياة الأبرياء للموت المحقق، دون التفريق بينهم وبين العدو المقاتل.

ويجيبان على هذا السؤال بأن القرآن لا يجيز قتل الأبرياء أو تعريض حياتهم للخطر، كما أن الرسول (ص) قد نهى عن ذلك. ويضيف المؤلفان بهذا الخصوص بأن هناك من يستشهد بالآية 5 من سورة التوبة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد .. ). فالآية تشير إلى المشركين

( Les polythéistes). إلا أن هناك من يؤول القرآن حسب هواه

( Ils font dire au coran ce qui les arrangent) كما يقول المؤلفان فيطبق معنى هذه الآية على من يعتبرهم أعداءه رغم أنها نزلت في المشركين .. ،

ونفس الأمر يقولان انه ينطبق على حالة المرتد l’apostasier حيث يستشهد رجل بالآية 27 من سورة البقرة (الذين ينقضون عهد الله بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولائك هم الخاسرون).

ويتحدث المؤلفان عن رجم الزانية باعتبار أن القرآن لم ينص على الرجم، وأيضا عن المساواة بين الرجل والمرأة وعن مسألة والرق. وعن اللباس الشرعي للمرأة المسلمة. وعن إباحة التعدد في الزواج، إلى ما هنالك من القضايا والمسائل التي تثار حول الإسلام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015