فليست هي ما يراه الناظر الوثني، أو الناظر البدوي لأول وهلة، قبل أن يطلع على حقائق الديانة ويتعمق في الاطلاع. ومن المحقق أن إدراك الشمول (ومن الوجهة العلمية لا يتأتى بغير الدراسة الوافية والمقارنة المتغلغلة في وجوه الاتفاق ووجوه الاختلاف بين الديانات ولكن الناظر القريب قد يدرك شمول العقيدة الإسلامية من مراقبة أحوال المسلم ومعيشته وعبادته ويكفي أن يرى المسلم مستقلا بعبادته عن الهيكل والصنم والأيقونة والوثن ليعلم أنه وحدة كاملة في دينه، ويعلم من ثم كل ما يرغبه في ذلك الدين أيام كان الدين كله حكرا للكاهن وقفا على المعبد وعالة على الشعائر والمراسيم مدى الحياة.

فلما ظهر المسلم في تلك الآونة ظهر الشمول في عقيدته من نظرة واحدة ظهر أنه وحدة كاملة في أمر دينه يصلي حيث شاء، ولا تتوقف له نجاة في مشيئة أحد من الكهان وهو مع الله في كل مكان "فأينما تولوا فثم وجه الله" (6). فليست العقيدة إذن مجموعة من الأزياء الموسمية التي يغيرها الإنسان ثارة بعد ثارة لا يمزجها ببواطن الضمير إنها العقيدة إيمان، موافقة لدواعي الحياة ومطالب الفكر وخلجات الشعور.

إنها ذخيرة قوة، وحوافز الحياة تمد الجماعات البشرية بزاد صالح، لا تستمده من غيرها.

إن هذه الذخيرة الضرورية خلقت لتعمل عملها، ولم تخلق ليعبث بها العابثون .. وفي هذا العصر الذي تتصارع فيه معاني الحياة بين الإيمان والتعطيل، بين الروح والمادة، بين الأمل والقنوط تلوذ الجماعات الإسلامية بعقدتها المثلى ولا تخطئي الملاذ .. ، لأنها عقيدة تعطيها كل ما يعطيه الدين من خير ولا تحرمها شيئا من خيرات العلم والحضارة (7).

والقرآن كتاب عقيدة يخاطب الضمير، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يتضمن حكما يشل حركة العقل في تفكيره أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلم ما استطاع .. ، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه، كما لم يكفل فيها في كتاب من كتب الأديان .. ، فقد جعل من التفكير السليم والنظر الصحيح إلى آيات الله وسيلة من وسائل الإيمان بالله: (الدين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).

ولا يرتفع المسلم بفضيلة كما يرتفع بفضيلة العلم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتوا العلم درجات) (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (وقل ربي زدني علما).

فضيلة الإسلام الكبرى انه يفتح للمسلمين أبواب المعرفة ويحثهم على ولوجها والتقدم فيها وقبول كل مستجدات من العلوم.

فلا بد إذن من فهم مناهج القرآن باعتباره المصدر الأول لثقافة المسلم.

إن المسلمين اليوم يعانون من أمية عقلية عميقة أدت إلى أزمة فهم والى غياب (مناهج الفهم) و (وسائل المعرفة) وبالتالي فيجب أن تنصب الجهود إلى صياغة مناهج للفهم التي تمكننا من القراءة الواعية والتفكيرالسليم والتدبير الصحيح.

ومن يتدبر القرآن ويتغلغل في أعماق معانيه وأسراره سيجعله يبصر الكون والتاريخ والحياة برؤية إيمانية جامعة، تستوعب الأشياء، وتمنح العقل التوهج والتآلق لينفذ إلى ما وراء الأشياء، ويفسر حركة الحياة، تفسيرا جامعا للعوالم المنظورة والعوالم الغير المنظورة.

القرآن كتاب جامع لفنون المعاني والحقائق ولا بد للباحث في علومه، أن يمتلك منهجا معرفيا جامعا، ملما بخصائص البيان القرآني، مالكا لأدوات الذوق والمعرفة والقدرة على التمييز بين أنماط البيان المختلفة، عارفا بعلوم التفسير وعلوم القرآن في علومه أن يمثلك منتهى معرفيا جامعا، ملما بخصائص البيان القرآني، مالكا لأدوات الذوق والمعرفة والقدرة على الميز بين أنماط البيان المختلفة، عارفا بعلوم التفسير وعلوم القرآن.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015