ـ[راوية]ــــــــ[26 صلى الله عليه وسلمpr 2009, 06:38 ص]ـ
طلاب الحلقات ومقامات الارتقاء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: ـ
كنا نعاني ـ في السابق ـ من قلة وندرة حفاظ القرآن الكريم، وكثرة واستفحال اللحن الجلي وما هو أشنع منه ... لكن هذه المعاناة انكشفت وانقشعت؛ إذ أجرى الله - تعالى - على أيدي حلقات القرآن الكريم الخير العميم والنفع الكبير، فكَثُر حفّاظ القرآن من الرجال والنساء، وسرعان ما اندرس اللحن الجلي، ونَدُر اللحن الخفي، وعُني طلاب الحلقات بإتقان أحكام التجويد و مخارج الحروف، فالحمد لله على نعمة الإيمان والقرآن.
وهذه الجهود المحمودة تستدعي الانتقال إلى مراحل أعلى، ومقامات أسمى، إذ الشخص لا ينفك عن تقدم أو تأخر، ولا يفارقه الارتقاء أو السفول قال تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} المدثر 37.
- ومن المقامات الرفيعة التي يُحث عليها: تحريك القلوب بمواعظ القرآن وقصصه وأحكامه، والوجد والتأثر عند تلاوته وسماعه كما كان سلفنا الصالح يعتريهم وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجلد عند سماع القرآن وتلاوته قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الأنفال 2. وقال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر23، وقال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} مريم 58.
فلا يزال الضعف ظاهراً في الاهتمام والاحتفاء بهذا الجانب الوجداني التربوي، فلا بد من التفاتة جادة وعزيمة صادقة من أجل إعداد برامج وخطط عملية في سبيل تحقيق هذا المقام الشريف.
- ومن مقامات الرفعة: استصحاب هذا الفضل الكبير، واستحضاره في كل حين، والفرح به، كما قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس 58.
يقول ابن القيم ـ في هذا الشأن ـ: (ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته خير من كل ما يجمع الناسُ من أعراض الدنيا وزينتها، أي هذا هو الذي ينبغي أن يفرح به، ومن فرح به فقد فرح بأجل مفروح به، لا ما يجمع أهل الدنيا منها، فإنه ليس بموضع للفرح، لأنه عرضة للآفات، ووشيك الزوال، ووخيم العافية .. ) مدارج السالكين 3/ 157= باختصار.
إن غرس وترسيخ هذا المقام ليورث عزة واستغناء عن الناس وحطام الدنيا، كما يحقق لحملة القرآن كرامة واستعلاء بهذا القرآن.
- ومن مقامات الارتقاء: الاحتفاء بتدبر القرآن وفهمه وعقله (فما أشدها من حسرة وأعظمها من غبنة ممن أفنى أوقاته في طلب العلم ثم يخرج من الدنيا، وما فهم حقائق القرآن ولا باشر قلبه أسراره) بدائع الفوائد لابن القيم 1/ 18.
فتدبر القرآن يورث علما وفقها، ويحقق رسوخاً ويقيناً، ويحفظ المرء من مزالق الأهواء والبدع، فهل خرجت " الخوارج " عن جماعة المسلمين إلا بالإعراض عن فهم القرآن وعقله، إذ يقرؤون القرآن قراءة لا تجاوز تراقيهم ... !
وهل سلك أرباب التجهيل والتفويض في الصفات الإلهية إلا لمحاكاتهم الذين يقرؤون الكتاب مجرد تلاوة دون فهم أو عقل، إذ جعلوا آيات الصفات مجهولة المعاني، لا تعقل ولا تفهم! مع أن الله تعالى قد أمر بتدبر القرآن مطلقاً، ولم يستثن منه شيئا لا يتدبر ([1])، قال عز وجل {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ص 29.
ورحم الله أبا العباس ابن تيمية القائل " من أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله وتدبره بعلمه، وجد فيه من الحلاوة والفهم، والبركة والمنفعة ملا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره " اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 741.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ينظر:القاعدة المراكشية لابن تيمية , ومجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 396
ـ[أبو عبدالرحمن الزهراني]ــــــــ[28 صلى الله عليه وسلمpr 2009, 06:15 ص]ـ
اقتراحاتٌ جيّدة.
وأضيف -من باب تفعيل المشاركة في الموضوع- إلى مقامات الارتقاء بقارئ القرآن وحافظه:
1 - القراءة التفسيرية للقرآن؛ بمعنى أنْ تعبِّر طريقة القارئ في أدائه عن المعنى المراد من الآية؛ فالنفي يختلف عن الموصول، والأمر يؤدّى بطريقة غير طريقة تأدية الخبر، والاستفهام يختلف عن الإنشاء، والوعد غير الوعيد، وهكذا ...
2 - العناية بالمتشابه اللفظي في القرآن الكريم؛ فهو الذي يتميز به الحفّاظ فيما بينهم، وكثيرٌ منهم تضعف ثقته بمحفوظه بسبب عدم العناية بهذا الأمر.
3 - القراءة على المتقنين من أهل التخصص وعدم الاكتفاء بمقرئ واحد حتى تتنوع الفوائد وتزداد عند الطالب.
4 - التعرّف على سير القرّاء عبر التاريخ؛ ففيها أعظم الأثر على الطالب.
5 - تدريس طلاب الحلقات العلوم ذات الصلة بالقرآن الكريم؛ كأسباب النزول، والقراءات، ورسم المصحف، والوقف والابتداء، وبلاغة القرآن، ونحو ذلك.
¥