الحرم بهم وبمواشيهم، فصاروا لهما أنسا.
ونشأ إسماعيل حتى بلغ مبلغ الرجال، فكان يخرج إلى الصيد معهم ويرجع. وماتت أمه هاجر، وتزوج إسماعيل منهم، وبلغ إبراهيمَ خبرُ موت هاجر فاشتاق إلى إسماعيل، فاستأذن سارة في ذلك، فأذنت له، فجاءه جبريل بفرس فركبه وسار حتى وقف على بيت ولده إسماعيل بالحرم، فقال: السلام عليكم يا أهل المنزل. فقالت له المرأة: إن صاحب البيت غائب. فقال إبراهيم: إذا رجع فقولي له: أبدل عتبة دارك، فإني لا أرضاها لك. وانصرف إلى الشام.
فلما عاد إسماعيل أخبرته بالخبر، فقال: صفيه لي. فوصفته، فقال: الحقي بأهلك. فجاء أهلها وقالوا: ما الذي كرهتَ منها؟ قال: لأنها لم تعرف لخليل الله قدرا. ثم تزوج امرأة من جرهم، فأولدها إسماعيل ستة أبطن. فاشتاق إبراهيم إلى ولده، فجاءه جبريل بفرس فركبه وسار إلى الحرم، وقد عمر ذلك المكان بجرهم. فوقف على باب إسماعيل وقال: السلام عليكم يا أهل المنزل. فبادرت المرأة وسلمت عليه، وقالت: فدتك نفسي. إن صاحب البيت غائب، وإنه يعود عن قريب. قال: هل عندك طعام؟ قالت: نعم، عندنا خير كثير. وجاءته بطبق عليه لحم مشوي من الصيد، وقدح من الماء. قال: فهل غير هذا من حب أو زبيب؟ قالت: يا عماه، ما هذا طعام بلدنا، ولكنه يُجْلَب إلينا، فانزل بنا وتناول طعامنا. قال: إني صائم، ولكن عليّ ذرق الطير فاغسليه. وحول قدمه عن الفرس، ووضعه على المقام. فغسلته، فقال: إذا جاء زوجك فسلمي عليه وقولي له: الزم عتبة بابك، فقد رَضِيتُها لك. وانصرف.
فلما رجع إسماعيل من الصيد أخبرته الخبر، فقال: لقد كنتِ كريمة عليّ، وقد صرتِ الآن أكرم بإكرامك أبي خليل الله إبراهيم. ثم اشتاق إبراهيم إلى ولده ثالثا، وذلك بعد ثلاثة وعشرين يوما، فجاء إليه ولقيه، وأمره الله أن يبني البيت، فبناه، وأتاه جبريل فعلّمه مناسك الحج ... ".
أما بالنسبة إلى تأكيد ابن سلام أن اسم "عدنان" لم يرد فى الجاهلية إلا فى بيت واحد فهو غير صحيح، إذ تكرر هذا الاسم فى الشعر الجاهلى لَدُنْ عدد من شعراء ذلك العصر، منهم المهلهل بن ربيعة وليلى العفيفة وأميّة بن أبى الصلت، الذين يقولون على التوالى:
يَومٌ لَنا كانَت رِئاسَةُ أَهلِهِ دونَ القَبائِلِ مِن بَني عَدنانِ
...
يا بَني الأَعماصِ إِمّا تَقْطَعوا لِبَني عَدنانَ أَسبابَ الرَّجا
........
قُل لِعَدنان: فُدِيتُم! شَمِّروا لِبَني الأَعجامِ تَشميرَ الوَحَى
...
نَفَوْا عن أرْضِهمْ عدْنانَ طُرًّا وكانوا للقبائل قاهِرِينا
وفى "مجمع الأمثال" للميدانى بيتٌ شعرىٌّ آخرُ ورد فيه اسم "عدنان"، نسبه المؤلف لعبد الله بن همام أحد بني عبد الله بن غطفان، مضيفا أنه يُنْسَب للنابغة أيضا، وهو ما عَزَاه البغدادى فى "خزانة الأدب" لهذا الأخير فقط، وإن كان قد عاد فذكر أنه يُنْسَب فى "الفاخر" (للمفضل بن سلمة) إلى الاثنين جميعا، مع تحديد الغطفانى بأنه عبد الله بن هُمَارِق، ونصه:
بما انتهكوا من رب عدنانَ جهرةً وعوفٌ يناجيهم، وذلكمُ جَلَلْ
وفى "الإيناس بعلم الأنساب" يورد الوزير المغربى هذين البيتين لسلمة بن قيس العُكْلِىّ:
سَيبلغُ قَذْفي نَهْشَلاَ أَنّ مَجْدها قصير وقولي شَتْمُه وقَصائدهْ
ويأَتي على الفَوْرَين دون محَجَّرٍ ويَصْعَد في عكّ بن عَدنان ناشدُهْ
كذلك كنا نود لو شرح لنا ابن سلام السبب فى شعوره بالريبة تجاه البيت الثانى الذى ورد فيه اسم عدنان. إلا أنه لم يشرح شيئا، وهو ما تكرر فى قوله، على سبيل الزراية، عن ابن إسحاق إنه "كتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرا قط، وأشعار النساء فضلا عن الرجال"، إذ كنا نريد منه هنا أيضا أن يوضح لنا مَنْ هؤلاء الرجال والنساء الذين لم يقولوا شعرا قط، ومع هذا روى لهم ابن إسحاق نصوصا شعرية، لكنه للأسف الشديد لم يفعل، ومن ثم لا نستطيع أن نناقشه، اللهم إلا أن نقول له إنك بهذا قد أصدرت حكما دون حيثيات، وزدت فجعلته حكما باتا لا استئناف فيه، وهو ما لا يصلح فى ميدان العلم.
¥