* لكن هناك من يقول بأن المكتبة القرآنية مكتبة متكررة، و خصوصا إذا أخذنا الكتب الحديثة فهي قائمة على الفوائد و الدروس أي أنها أقرب للمواعظ منها إلى الدراسات الناضجة العميقة؟

** الحقيقة أن هذا القول فيه نوع من المجازفة لسبب، أولاً لا يوجد كتاب للتفسير ليس له فائدة ومن خلال التجربة وجدت أنك تتردد كثيرا عندما يستشيرك أحد في كتب التفسير، لان لكل كتاب منها فائدته وأسلوبه وجديده الذي يجد فيه القارئ الفائدة، ويبقى أن ما ذكرته صحيحا من جهة أن هناك نسبة كثيرة من التكرار باعتبار أنها تدور حول نصٍ واحد وهو القرآن الكريم، وان هذا النص يجب عليك أن تلتزم بأصول التفسيره وفهمه في كتاباتك ويبقى هناك هامش للتجديد والإضافة، ولذلك أذا تأمل القارئ لتفسير ابن جرير مثلاً ثم جاء بعده تفاسير كثيرة جداً قد يقول قائل أنها استوعبت، لكن عندما يقرأ مثلاً في تفسير الشنقيطي أو تفسير الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير أو تفسير السعدي برغم صغر حجمه أو تفسير معارج التدبر للشيخ الميداني وغيرها نجد أنها أضافت إضافات ما سبقت إليها، ولذلك تبقى الحاجة متجددة للتأليف في تفسير القرآن، ويجب أن يدرك طالب العلم أن الحاجة متجددة لتفسير جديد للقرآن الكريم لأسباب متعددة، منها اختلاف طريقة فهم الناس واختلاف العصور والحاجة المتجددة للنزول إلى مستوى فهم الناس وقدراتهم التي يقرؤون بها، فمن هذا الجانب نستطيع أن نقول إن التكرار ليس بهذه الصورة التي يصورها البعض بأنها متكررة.

أما في جانب الدراسات التأصيلية فهناك جوانب كثيرة لا تزال الحاجة ماسة إلى سدها، ويوجد عدد لا بأس به من الدراسات الجادة في هذا الميدان، ومثل هذه الدراسات التي تتميز بالعمق والتأصيل تحتاج إلى قدرات علمية بحثية خاصة وهي قليلة في جميع التخصصات.

* د. عبدالرحمن .. دعني آخذ السؤال من زاوية أخرى، و هي أننا إذا نظرنا للمستشرقين و اهتمامهم بالقرآن و سبره و اكتشاف أسراره و إثارة الشبه عليه نجد أنها دراسات نوعية و عميقة، بل إنها استطاعت أن تشكك البعض في دينه و في القرآن نفسه! و يقابل هذه دراسات أشبه ما تكون بالمواعظ إلى دراسات عميقة و نوعية؟ لماذا لا نشهد تجارب أخرى كتجربة المعجم المفهرس و غيره من التجارب الناجحة و التي أحدثت إضافة جديدة للمكتبة القرآنية؟

** كأنني فهمت ما تعنيه الآن. هذه مشكلتها تعود إلى مشكلة تكوين الباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية وفي غيرها بصفة عامة عندنا في العالم الإسلامي و هذا راجع لطريقة تفكيرنا في العالم الإسلامي، و للأسف الشديد أن الجامعات الإسلامية إلى الآن - بحسب ما أرى وألاحظ - لم تنجح النجاح المطلوب في تخريج عقليات علمية باحثة و ناقدة تحسن النقد العلمي، بل إلى الآن نحن ندرس في درجة البكلاريوس والماجستير والدكتوراه موضوعات مكررة، بمعنى انك تأتي إلى طلاب الدراسات القرآنية في مرحلة الدكتوراه مثلاً فإذا بهم يدرسونه مادة إعجاز القرآن من الكتب التي يدرسونها في درجة البكلاريوس و يدرس طالب الماجستير مادة أصول التفسير التي كان يدرسها في البكلاريوس أيضاَ، وأنا شخصياً مررت بهذه التجربة ودرست هذه المناهج حيث كنا ندرس في مرحلة الدكتوراه المادة العلمية نفسها التي كنا ندرسها في مرحلة البكلاريوس، ولا اذكر أننا وجدنا شيئاً جديداً، و أنا الآن أقوم بتدريس الدراسات العليا و لكنني غيرت الأسلوب الذي ندرس به تماماً ولذلك خرجنا بفوائد كثيرة، لأنك لا بد أن تراعي العمق العلمي للطالب و تعطيه الكتب و المراجع التي تناسب الطالب، فالشاهد أن كثيراً من الباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية المعاصرة يقل عندهم جانب الإبداع كثيراً، وكما قال النبي r الناس كإبل مائه لا تكاد تجد فيها راحلة،و المجدد والمبدع يأتي نادراً في العصور وعلى مر التاريخ، في حين أن الغربيين مع أنهم يدرسون القرآن الكريم من زاوية مختلفة وهم لا يؤمنون به كما نؤمن به، ولكنهم يقعون على موضوعات لو درس القرآن الكريم من خلالها عن طريق باحثين جادين لكان فيه ثمرة رائعة جداً، ولذلك كل ما بحثه المستشرقون مع الملحوظات عليه المنهجية والعلمية فتح الباب واسعاً للبحث، فمثلاً كتاب (نولدكه) تاريخ القرآن مع انه مليء بالشبهات وفيه مطاعن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015