معناه عند السامعين" ولهذا لا يقبل من أحد دعوى المجاز إلا عند إقامة الدليل عليه؛ يقول ابن الأثير: "اعلم أن الأصل في المعنى أن يحمل على ظاهر لفظه، ومن يذهب إلى التأويل يحتاج إلى دليل " ولما كان الأمر كذلك فقد وضع العلماء للمجاز ضوابط وشروطا منها الآتي:

أ-الجريان على قانون اللسان العربي:

لما جعل الله تعالى القرآن والسنة عربيين فقد اتفق العلماء على عدم مخالفة قانون لسان العرب أو الخروج عن مناحى طرقهم في التعبير عند محاولة فهم الكتاب والسنة، ولهذا كان من شروط المجاز أن يكون جارياً على هذا القانون، وإلا بطل الاستدلال به؛ يقول ابن تيمية أن من شروط المجاز: " أن يكون اللفظ جارياً في اللسان العربي بمعناه؛ لأنه لا يجوز أن يراد بشئ من القرآن والسنة خلافاً للسان العرب، وإلا فيمكن لكل مبطل أن يفسر بكل معنى سنح له وإن لم يكن له أصل في اللغة ". وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجوز إطلاق المجاز إلا إذا أطلقته العرب؛يقول الجصاص: "المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن يكون مسموعاً من العرب" ب-احتمال السياق وقيام الدليل:

للسياق دور فاعل وأثر واضح في تحديد دلالات الألفاظ ومعرفة معانيها المقصودة، ولا شك أن احتمال السياق للمعنى من الضوابط المهمة في المجاز؛ وإلا فلا يجوز صرف المعاني عن ظواهرها إلى تلك المعاني الباطنة إذا لم ينتصب الدليل الذي يقوم شاهداً عليها، ولآجل ذلك كان من شروط المجاز: "أن يكون مع المستدل دليل يوجب صرف اللفظ من حقيقته إلى مجازه " ولهذا كانت القرائن السياقية التي تؤكد المجاز وتعضده من الأمور المهمة في قبوله.

ج- السلامة من الدليل المعارض:

قد يقوم في السياق دليل يصرف المعنى عن الظاهر إلى المجاز؛ فإذا سلم هذا الدليل من المعارض الأقوى صحّ المجاز؛ وإلا رفض، ولأجل ذلك عدّ ابن تيمية من شروط المجاز: "أن يسلم الدليل عن معارض " ولما كان الأمر على الوجه الذي ذكرنا - فإن الإمام القرطبي قد رفض المعنى المجازى الذي ذهب إليه مجاهد وابن نجيح في قوله تعالى: "قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ". حيث ذهبا إلى أن الشاهد هو "قد القميص"؛ يقول الإمام القرطبي معتمداً على معارض المعنى المجازي: "هذا مجاز صحيح من جهة اللغة؛ إلا أن قول الله بعد "من أهلها " يبطل أن يكون القميص هو الشاهد "

د- صحة نفى العبارة المجازية:

ذهب ابن تيمية إلى أن: "من علامات المجاز صحة إطلاق نفيه " وذلك بمعنى أنك إذا قلت: أراد الجدار أن يسقط؛ صحَّ أن تقول أن الجدار ليس له إرادة فكان إطلاق ذلك عن طريق المجاز، أما إذا قلت أراد فلان أن يسقط لم يكن مجازا؛ لأنه لا يصح أن تقول: فلان ليس له إرادة؛ فتأويل ذلك عن طريق المجاز قول بلا دليل.

هـ - عدم التوكيد بالمصادر:

من الأمور المهمة في تثبيت الحقيقة في الكلام ونفى المجاز عنه التوكيد بالمصدر؛ وذلك لأن تكرير الكلام وتوكيده يدل على أنه مراد بعينه، فإذا قلت: "ضربت زيداً ضرباً" كان هذا التوكيد مانعاً للمعنى المجازي ومثبتاً للمعنى الحقيقي " ولهذا يقول ابن تيمية: "قال غير واحد من العلماء التوكيد بالمصادر ينفي المجاز " ولهذا لا يمكن ادعاء المجاز في مثل قوله تعالى: "وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" " أو قوله: "وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً" أو قوله: "فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" "لأن المصدر يؤكد أن هذا الأفعال قد وقعت على الحقيقة لا المجاز.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 04:06 م]ـ

أسوأ أنواع التأويل في هذا العصر:

سبق أن ظاهرة المجاز قد نظر علماء الإسلام إليها من وجهتين: من حيث كونها سمة جمالية جرى عليها كلام العرب ووقعت في القرآن والسنة؛ ومن حيث كونها سمة لها خطورتها على مستوى اللغة والفكر والدين والعقيدة؛ خاصة إذا تم بها لي أعناق الآيات وحملت على مراد المستدل وأهوائه وأغراضه؛ وحينئذ يمكن أن يقول كل من شاء - استناداً عليها ـ ما شاء؛ مستدلاً بالقرآن مؤولا ً له تأويلات بعيدة، ومن هنا كان التشدد فيها ووضع الضوابط لها، إلا أن الاتساع التأويلي - عن طريق المجاز - لم يقتصر على بعض الفرق أو الأفراد في تراثنا

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015