ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 04:02 م]ـ
التأويل في رأي مدرسة ابن تيمية:-
لا توجد طائفة من طوائف الإسلام ولا فرقة من فرقه إلا ولجأت للتأويل وقالت بالمجاز؛ وإن تفاوتت في ذلك تفاوتاً بيناً، ولما كان الأمر كما سبق فإن تسمية "نفاة المجاز" قد كانت مسألة نسبية إلى حد كبير؛ إذ نرى ابن حزم الظاهري يرد على الذين يجعلون المجاز حقيقة والحقيقة مجازاً كما تراه يرد رداً شديداً على خويز منداذ في إنكاره المجاز في بعض المواضع من القرآن وإذا كان ابن حزم قد ردّ على خويز منداذ – فإن ابن كثير قد ردّ على ابن حزم أيضاً في إنكاره المجاز في بعض المواضع وهكذا، وإذا كان الأمر على ذلك الوجه فإن ابن تيمية وتلاميذه - رغم ردهم الشديد على التوسع في المجاز - إلا أنهم لم ينكروهـ وإنما أنكروا جعله مسوغاً للأفكار الفاسدة فحسب، كما أنهم كرهوا آراء الذين تأولوا القرآن على غير تأويله، ولم ينفوا مطلق التأويل، ويذكر ابن تيمية أن التأويل لا يعاب بل يحمد، أما التأويل المذموم والباطل –عنده - فهو تأويل أهل التحريف والبدع، الذين يدعون صرف اللفظ عن مدلوله إلى غير مدلوله دون دليل يوجب ذلك، ومن الأدلة على قول ابن تيمية بالمجاز والتأويل الآتي:
أ- ذكر ابن تيمية أن من لم يفرق بين أنواع التأويل - اضطربت أقواله؛ مثل طائفة تقول إن التأويل باطل، وأنه يجب إجراء اللفظ على ظاهره، ويحتجون بقوله تعالى: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ" على إبطال التأويل , وهذا تناقض منهم؛ لأن هذه الآية تقتضي أن هناك تأويلا لا يعلمه إلا الله وهم ينفون التأويل مطلقا
ب - رغم أن ابن تيمية قد هاجم المجاز وفند الأدلة فيه،إلا أنه قد رد على نفاة المجاز في غير ما موضع من كتابه "الفتاوى" وهو كما هاجم المتوسعين في المجاز - قد هاجم المنكرين له أيضاً؛ كأنما ينكر من يجعل الحقيقة الثابتة مجازاً والمجاز الثابت حقيقة.
ج -ذكر ابن تيمية - رحمه الله - صراحة أن من الخطورة بمكان تبديل الحقائق عن طريق المجاز وتسويغ المعاني الفاسدة بذلك؛ يقول " وأكثر هؤلاء يعدون ما ليس بمجاز مجازاً "
د- يهاجم ابن تيمية في كتابه "الإيمان" المجاز هجوماً شديداً وكذلك يفعل تلميذه ابن القيم في كتابه "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة " إلا إنهما يقولان به في مواضع أخرى شريطة أن ينهض فيه الدليل، وما موقف ابن تيمية وتلميذه إلا كموقف ابن عقيل الذي يقول عنه ابن تيمية: "ومما ينبغي أن يعلم أن ابن عقيل - مع مبالغته في الرد على من يقول ليس في القرآن مجاز - في موقع آخر ينصر أنه ليس في اللغة مجاز ولا في القرآن ولا غيرهما "
هـ - تناول ابن تيمية بعض أنواع المجاز وأورد لها أمثلة؛ ثم قال: "إن تحرير هذا الباب هو علم البيان الذي يعرف به الإنسان بعض قدر القرآن " كما تناول الاستعارة التمثيلية وأورد فيها أمثلة أيضاً، ثم قال: "وهذه الأمثال موجودة في القرآن معلنة ببلاغة لفظه ونظمه وبراعة بيانه اللفظي، والذين يتكلمون في علم البيان وإعجاز القرآن يتكلمون في مثل ذلك "
و - وضع ابن تيمية للمجاز شروطاً وضوابط نحو الجريان على قانون اللسان العربي وقيام الدليل وصحة النفي ونحوها كما سيأتي، ولا يمكن أن يقول أحد بضوابط شئ إلا إذا كان يقبله بتلك الضوابط.
ز- يقول ابن تيمية: "نحن نقول بالمجاز الذي قام دليله وبالتأويل الجاري على نهج السبيل، ولم يوجد شئ في كلامنا أو كلام أحد منا أنا لا نقول بالمجاز والتأويل، ولكن ننكر من ذلك ما خالف الحق والصواب وما فتح الباب لهدم السنة والكتاب واللحاق بمحرفة أهل الكتاب "
ضوابط التأويل عند ابن تيمية:
إن المجاز ظاهرة أسلوبية وقعت في القرآن والسنة وكلام العرب؛ إلا أنها من جانب آخر ظاهرة بالغة الخطورة؛ إذ يفضى الغلط والتوسع فيها إلى مزالق جمة وتأويلات فاسدة ومعان مردودة، وهذه الظاهرة قد أدت إلى التأويل الذي بسببه قامت الفرق وبسببه نشأت الصراعات الكلامية المتعددة. والحق أن التأويل المتسع الذي به تسوغ الآراء المنكرة والآراء الفاسدة - أمر لا يمكن أن يقبله عاقل؛ يقول ابن عبد البر:" لو ساغ المجاز لكل مدع ما ثبت شئ من العبارات، وجل الله عزّ وجلّ أن يخاطبنا إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح
¥