ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 03:49 م]ـ

أصول الفقه والتأويل:-

كانت دلالات الألفاظ والقواعد اللغوية في القرآن والسنة من المباحث التي دار حولها الأصوليون، وما ذاك إلا لأن المعاني المستقاة من الألفاظ إنما هي مبتغى كل من أراد دراسة القرآن والسنة سواء كان من اللغويين أو البلاغيين أو المفسرين أو الأصوليين أو غيرهم، وقد اهتم الأصوليون بالمجاز والتأويل وغيره من الأمور البلاغية الطابع؛ ولذلك يقول السكاكي: " إن الأصول من العلوم التي تجتنى منها ثمرات البلاغة" ولأجل ذلك فلا غرو أن نجد - في مضمار المجاز - مناقشات شديدة الأهمية بين الأصوليين والبلاغيين؛ ومن ذلك أن ضياء الدين بن الأثير عندما درس المجاز نظر فيما كتبه الأصوليون فأقرَّ بعضه ورفض الآخر؛ يقول: " وكنت اطلعت في كتاب من مصنفات الغزالي – رحمه الله- ألفه في أصول الفقه، ووجدته قد ذكر الحقيقة والمجاز وقسم المجاز إلى أربعة عشر قسماً ... والتقسيم لا يصح في شيء من الأشياء إلا إذا اختص كل قسم من الأقسام بصفة لا يختص بها غيره؛ وإلا كان التقسيم لغواً لا فائدة فيه، وسأورد ما ذكره وأبين فساده" ولهذا رفض ابن الأثير كثيرا من أنواع المجاز عند الغزالي نحو تسمية الشيء باسم فرعه كتسمية الرطب تمراً، وتسمية الشيء باسم أصله كتسمية الآدمي مضغة، وتسمية الشيء باسم دواعيه كتسمية الاعتقاد قولاً، وتسمية الشيء باسم مكانه كتسمية المطر سماء، وتسمية الشيء باسم ضده كتسمية الأبيض والأسود جوناً، و تسمية الشيء باسم فعله كتسمية الخمر سكراً، وتسمية الشيء باسم حكمه كتسمية النكاح هبة، وإدخال الزيادة والحذف في المجاز.

والحق أننا إذا تأملنا مصنفات الأصوليين نجد أن مفهوم المجاز متسع عندهم جداً؛ وليس له حدود معينة معروفة كما هو عند البلاغيين؛ ولذلك قد نجدهم أحياناً يعدون كل ما خرج عن مقتضى الظاهر مجازاً؛ وبهذا يدخل المجاز - عندهم - في علم المعاني أيضاً؛ ولهذا يوجد المجاز عندهم بصورة واضحة في أغراض الأمر والنهي والاستفهام وغيره، وإذا كان الغزالي قد جعل علاقات المجاز أربع عشرة علاقة - فإن بعض الأصوليين قد جعلها خمسة وعشرين نوعاً، وقد يبالغ بعضهم حتى يجعلها أربعين علاقة، ولما كانت دراسة المجاز من أهم دراسات البلاغيين من جهة فإنها من جهة أخرى لم تكن أهم دراسات الأصوليين، وإن اهتموا بها اهتماماً واضحاً، ولهذا عذر ابن الأثير الإمام الغزالي باعتبار أنه ليس من أهل البلاغة؛ يقول: "ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة، أما الغزالي رحمه الله فهو معذور عندي في أن لا يعرف ذلك؛ لأنه ليس فنه" والحق أن دراسة المجاز تختلف من حيث المجال الذي تدرس فيه من ناحية وتختلف باختلاف العلماء في المجال الواحد من ناحية أخرى، فالأصوليون لم يكونوا في دراسة المجاز على شاكلة واحدة ولا على وجهة متفقة؛ شأنهم في ذلك شأن البلاغيين أيضاً، ولا شك أن هذا المضمار يضيق عن مثل هذه التفاصيل.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 03:57 م]ـ

التفسير والتأويل:

سبق أن التأويل بمعناه العام أحد فروع التفسير ونوع منه، إلا أننا إذا نظرنا إلى المجاز وصرف اللفظ عن الظاهر؛ فإننا نجد أن المجاز قد اختلف باختلاف المفسرين؛ إذ نجد منهم من وسع ومنهم من ضيق، وإن كان الأصل هو الأخذ بالظاهر وعدم الميل إلى المجاز إلا عند الضرورة. ورغم أن ابن كثير من الذين قللوا من الميل إلى المجاز في تفسيره إلا أنه قد اعتنى به خاصة في المواضع التي رد فيها على الظاهرية ومن نحى نحوهم أما ابن الجوزي فقد ذهب في تفسيره " زاد المسير " إلى أن المجاز من ضروب التعبير المستحلاة عند العرب وهو – عنده – من وجوه الإعجاز أيضاً؛ إذ لو اقتصر القرآن على الحقيقة دون المجاز لقال العرب: هلا جاء بالضرب المستحسن عندنا. أما الإمام القرطبي صاحب الجامع لأحكام القرآن فقد قبل المجاز وفسّر به بعض الآيات وأبان جمال التعبير المجازي فيها، وليس ذلك فحسب بل أورد أدلة على وجوده في القرآن وكلام العرب، إلا أن الإمام القرطبي لا يقبل المجاز إلا إذا قام دليله ولم تنهض الأدلة المعارضة لإثبات خلافه.

ورغم أن أكثر المفسرين بصورة عامة قد قللوا من المجاز إلى حد ما، إلا أن الإمام الزمخشري الذي كان داعية للاعتزال قد أكثر من استخدامه وتوسع فيه، وقد اعتبر الإمام علم البيان - الذي يشتمل على المجازات - أعظم أركان المفسر، ولا شك أن لاعتزال الإمام دوراً مقدراً في ذهابه هذا المذهب حتى ينتصر لمذهبه ويؤول ما يناقض أصوله من آيات القرآن، ولم يقتصر الإمام على تسويغ آراء المعتزلة، بل تراه قد سبّ أهل السنة والحديث في تفسيره، ولم يكتف الإمام الزمخشري بالتوسع في المجاز بتفسيره " الكشاف" بل أنه قد ألف معجماً سماه " أساس البلاغة" تناول فيه معاني المفردات عند استعمالها على الحقيقة أو المجاز، وهذا دليل واضح على توسعه الشديد في هذه القضية.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015