كان الفلاسفة اليونانيون – على كثرة فرقهم - ثلاثة أقسام: وهم الدهريون الذين جحدوا الصانع المدبر وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً، والقسم الثاني: هم الطبيعيون الذين بحثوا في عالم الطبيعة وعجائب الحيوان، والقسم الثالث: هم الإلهيون؛ مثل: سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقد رد الإلهيون - وهم المتأخرون من الفلاسفة- على الصنفين الأوائل وكشفوا فضائحهم، ثم رد الإلهيون أنفسهم على بعضهم إذ " رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبلهم من الإلهيين رداً لم يقصر فيه حتى تبرأ عن جميعهم " ورغم كل ذلك فإن كلام هؤلاء الفلاسفة المتأخرين في الإلهيات قليل، وفيه من الاضطراب والتناقض ما فيه

وقد دخلت الفلسفة إلى ديار المسلمين في خلافة بني العباس، وقد كان ابن المقفع الأديب المشهور هو أول من قام بالترجمة في ذلك ثم تبعه حنين بن إسحاق وأبو عثمان الدمشقي ويوحنا البطريق وابن الناعمة الحمصي، ثم أخذ الاهتمام بالفلسفة يزداد يوماً بعد يوم في الملة الإسلامية فدخلت في المذاهب الكلامية، ومن الملاحظ أن المعتزلة والإسماعلية وكل الذين توسعوا في المجاز أو قالوا بأن الحقائق الواردة في النصوص القرآنية أو الحديثية هي رموز وإشارات قد كان لهم ارتباط وثيق بالفلسفة؛ يقول ابن سينا: " كان أبي وأخي من أهل دعوتهم " أي الإسماعيلية" ولهذا اشتغلت بالفلسفة " ومن الملاحظ أيضاً أن الفلاسفة المسلمين قد أنكروا بعض الصفات الإلهية كما أنكرتها المعتزلة والجهمية؛ يقول ابن تيمية: " المتفلسفة حقيقة أمرهم أنهم يؤمنون ببعض الصفات ويكفرون ببعض"

والحق أن فلاسفة المسلمين قد حاولوا بعقولهم المجردة معرفة صفات الله تعالى؛ فأدى ذلك بهم إلى التعطيل وتكليف العقل من الأمور ما لا طاقة له به؛ يقول سيد قطب: " لما أراد بعض المتفلسفة متأثرين بأصداء الفلسفة الإغريقية - على وجه خاص- أن يتطاولوا إلى ذلك المرتقى باءوا بالتعقيد والتخليط كما باء أساتذتهم الإغريق، فدسوا في التفكير الإسلامي ما ليس من طبيعته وفي التصور الإسلامي ما ليس من حقيقته؛ وذلك هو المصير المحتوم لكل محاولة للعقل البشري وراء مجاله وفوق طبيعة خلقه وتكوينه"

وقد خاص فلاسفة المسلمين في الإلهيات بمنهجهم العقلي؛ فأفضى ذلك بهم إلى أمور كفرهم فيها الإمام الغزالي في كتابه " تهافت الفلاسفة " وقد ذهب هولاء الفلاسفة إلى أن ما جاء في القرآن من تصوير الحشر وأحوال المعاد إنما هو تخييل للعامة وتقريب للجمهور؛ وهذا تأويل بعيد؛ ولهذا يقول ابن تيمية إن الفلاسفة قد ذهبوا إلى " أن الرسل تكذب لمصلحة العالم، وإذا حسنوا العبارة قالوا: إنهم يخيلون الحقائق في أمثال خيالية، وقالوا خاصة النبوة تخييل الحقائق للمخاطبين، وأنه لا يمكن مخاطبة الجمهور إلا بهذا الطريق، كما يزعم الفارابي"

وقد أفرد ابن رشد للتأويل فصلاً في كتابه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، وقد حاول في هذا الكتاب التوفيق بين الشرع والفلسفة؛ فدافع عن الفلاسفة دفاعاً شديداً؛ بل رد على الغزالي في هذا الكتاب وفي كتابه " تهافت التهافت" وذكر أنه لا يمكن التكفير في التأويل؛ يقول: " لم يجب التكفير بخرق الإجماع في التأويل، إذ لا يتصور في ذلك إجماع" وذهب إلى أنه إذا كان الفقهاء يؤولون فصاحب البرهان أحق منهم في ذلك، يقول: " إن كان الفقيه يفعل ذلك في كثير من الأحكام الشرعية فكم بالحري أن يفعل ذلك صاحب البرهان، فإن الفقيه إنما عنده قياس ظني والعارف عنده قياس يقيني" وليس ذلك فحسب بل يذهب ابن رشد إلى أن ما ناقض البرهان من الأمور الشرعية فإنه يجب تأويله يقول: " كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فإن ذلك الظاهر يقبل التأويل .... وهذه القضية لا يشك فيها مسلم ولا يرتاب مؤمن"

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 03:40 م]ـ

التأويل ومبدأ اللغة:-

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015