4 - إذا كان بعض العلماء قد استدلوا على كون القرآن كله متشابه لقوله تعالى: "كِتَابًا مُّتَشَابِهًا" فالمقصود هو أنه متشابه؛ بحيث أنه يشبه بعضه بعضاً؛ ومنه قوله تعالى: "وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً" أما من استدل بقوله تعالى: "أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ" على أنه كله محكم؛ فالمقصود بالإحكام هنا: إحكام الرصف و النظم أو المنع من الفساد، ولو كان هذا الأمر صحيحاً لكان المتشابه نفسه محكماً أو المحكم نفسه متشابهاً، ولم يكن لهذا التقسيم من معنى. والاشتباه المقصود في الآية هو: الاختلاط والالتباس؛ ومنه قوله تعالى - على لسان بني إسرائيل -: "إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا" أي: اختلط.
وقد ذهب صاحب روضة الناظر إلى أن: " الصحيح أن المتشابه: ما ورد في صفات الله سبحانه مما يجب الإيمان به ويحرم التعرض لتأويله ... فهذا اتفق السلف رحمهم الله على الإقرار به وإمراره على وجهه ... فإن قيل كيف يخاطب الله الخلق بما لا يعرفونه أم كيف ينزل على رسوله ما لا يطلع على تأويله؟ قلنا: يجوز أن يكلفهم بالإيمان بما لا يطلعون على تأويله ليختبر طاعتهم كما قال تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وكما قال: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس "
ب-التأويل الجائز:
التأويل الجائز هو في مقابل التأويل الممنوع، ويرتبط الجواز والمنع بالمواضع؛ إذ يتعلق الممنوع بالآيات المتشابهة التي يفضي تأويلها إلى إثارة الفتنة، أما التأويل الجائز فهو بخلاف ذلك، وهذا النوع الأخير له قسمان أيضاً؛ هما:
1 - التأويل الصحيح:-
هذا التأويل من شأن صاحبه محاولة معرفة مراد الله تعالى دون أن يكون له هوى أو غرض آخر؛ ولذلك فهو يهتم بالقرائن والضوابط والأدلة؛ فإذا حتم ذلك التأويل وكان المعنى لا يستقيم بغير ذلك مال إليه؛ وإلا فهو لا يؤول ما لا يقبل التأويل ولا يقول بالمجاز في المواضع التي لا تحتمل المجاز، ولا يصرف المعنى عن ظاهره إذا كانت الدلائل تشير إلى أن المعنى الظاهر هو المقصود، وإذا كان المؤول يتغلغل وراء الظواهر والألفاظ مستخرجاً منها المعاني الحسان والدقائق الفريدة فهذا وجه مطلوب لا يهتدي إليه إلا من آتاه الله بصيرة ثاقبة وعقلاً لماحاً وطبعاً صحيحاً وفهماً عالياً وإدراكاً متميزاً، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن العباس - وهو حبر الأمة- بقوله: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل "
2 - التأويل الباطل:-
التأويل الباطل بخلاف التأويل الصحيح، إذ يكون فيه لي أعناق النصوص حتى توافق غرض المستدل بها، وهنا يلوح للمستدل معنى ما كان ليلوح له لولا الغرض والهوى، أو قد لا يكون للمستدل غرض أو هوى، ولكنه يخطئ في إدراك المعنى لأمر توهمه ولم تنهض الأدلة أبداً لإثباته أو تعضيده؛ ولهذا قال ابن حنبل: " أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس"
والحق أن ظاهرة المجاز التي هي من أكبر الظواهر التي يدخل بها التأويل، وهي ظاهرة أسلوبية فنية عالية يذهب بذهابها شطر الحسن من الكلام كما ذكر بعض العلماء - قد نظر علماء الإسلام إليها من وجهتين:
- كونها سمة جمالية جرى عليها كلام العرب ووقعت في القرآن والسنة؛ يقول الشوكاني: " المجاز واقع في لغة العرب عند جمهور العلماء ... ووقوعه في اللغة أشهر من نار على علم وأوضح من شمس النهار ... " ولهذا لا يمكن إدراك المعاني المقصودة دون فهمها ومراعاتها، إذ يكون للكلام معنى ويكون لهذا المعنى معنى آخر؛ ومن هنا كان قبولها، ولذلك لم يرفض هذه الظاهرة في هذا الإطار حتى أولئك العلماء الذين تشددوا فيها كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حزم الظاهري كما سيأتي.
- كونها سمة لها خطورتها على مستوى اللغة والفكر والدين والعقيدة؛ حيث يمكن أن يقول كل من شاء - استناداً عليها ـ ما شاء؛ مستدلاً بالقرآن مؤولا ً له تأويلات بعيدة ومن هنا كان التشدد فيها.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 03:37 م]ـ
التأويل والفلسفة:-
¥