أسرار الحروف المقطعة

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[26 Feb 2009, 08:51 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

من خصائص السور المكية أن بعضها يبدأ بالحروف الهجائية المقطعة، ولكن هذه الملاحظة ليس على إطلاقها؛ إذ أن سورة البقرة المدنية قد افتتحت بقوله تعالى: (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ) وكذلك آل عمران التي افتتحت بقوله: (الم اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)

وقد ارتبطت هذه الحروف بالإعجاز ارتباطاً وثيقاً؛ إذ لاحظ كثير من العلماء أن هذه الحروف المقطّعة يأتي بعدها ذكر القرآن والإشارة إليه؛ نحو قوله: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ) في سورة يونس ويوسف والرعد والحجر والشعراء والقصص ولقمان، أو: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ) في سورة النمل، أو (تَنزِيلُ الْكِتَابِ) في سورة السجدة وغافر والجاثية والأحقاف، أو: (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) في سورة فصلت، أو: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) في سورة الأعراف، أو: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) في سورة إبراهيم، أو: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) في سورة هود، أو (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) في سورة الزخرف والدخان، أو: (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) في سورة يس أو (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) في سورة ق أو (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) في سورة ص، أو: (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) في سورة طه،أو: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) في سورة الشورى، ويقول ابن كثير: (ذُكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذُكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله؛ هذا مع أنه مركّب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها؛ وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره والمبرد والمحققون، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا ووزره الزمحشري في كشافه ونصره أتمّ نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلّامة أبو العباس ابن تيمية) ومعلوم أن هذه الحروف ليست على شاكلة واحدة ولا على طبائع متفقة؛ بل إن لها من الخصائص والصفات ما يجعلها متباينة الطبائع والمزايا؛ ولهذا يقول الإمام القرطبي: (إن الحروف المذكورة في أوائل السور هي حروف المعجم التي استُغني بذكر ما ذُكر منها عن بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين … ومجموع هذه الحروف (المذكورة) أربعة عشر حرفاً … يجمعها قولك (نص حكيم قاطع له سر) وهي نصف الحروف عدداً؛ وهذه الحروف الأربعة عشر على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة … ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبدي لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأ كبيراً) وإذا دلت هذه الحروف على الإعجاز كما ذهب العلماء فإن هنالك ملاحظة لها أهميتها؛ وهي أن آيات التحدي والإعجاز قد جاءت في السور المكية متناقصة على الترتيب الآتي:

أولا: التحدي بالقرآن كله؛ كما في سورة الإسراء؛ بقوله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)

ثانيا: التحدي بعشر سور؛ كما في سورة هود؛ وهي في قوله: (فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

ثالثاً: التحدي بسورة واحدة كما جاء في يونس: (قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015