وإذا كان ترتيب سور القرآن هو اجتهادي محض، فإن التفكير في الخروج على هذا الترتيب بترتيب آخر معاصر أكثر عقلانية ومنطقية بالنسبة لنا، يصبح أمرا مقبولا لا اعتراض عليه، سوى الدعوة إلى احترام الموروث، والذي لن يبدو مسوغا معقولا، فليس احترام الموروث سببا كاف يحول بيننا وبين ما نراه أكثر مناسبة لنا، ويلزمنا بالتوقف عند زمن الصحابة. وليس في الشرع ما يمنع هذا التفكير، فالله لم يأمرنا أن نلتزم بما اجتهد الصحابة عليه .. وإذا كانت لهم مسوغات في ترتيب سور القرآن على صورة ما، فنحن لنا مبرراتنا أيضا للبحث عن شكل آخر لهذا الترتيب، ويكفي أن نراه أكثر ملاءمة لعصرنا. ولنا أن نفكر بأي شكل نراه مناسبا. (وهو ما فكر فيه المستشرقون).
ولو حدث ذلك وأصبح كل جيل يرى له الحق في إجراء التغيير الذي يراه مناسبا لعصره، فهذا سيضعنا في مواجهة مع العديد من الأسئلة، وأولها هل تعهد الله بحفظ القرآن مرتب السور والآيات أم من غير ترتيب، بالطبع ستكون الإجابة من غير ترتيب بدليل أن مسألة الترتيب قد تركت للصحابة واجتهادهم الشخصي، واستمرار التغيير في ترتيب القرآن فيما بعد. وما الحكمة أن الله سبحانه قد ترك ترتيب سور كتابه " المعجزة والرسالة الخالدة للناس كافة " للبشر؟.
ولذلك: فنحن نرى أن ترتيب سور القرآن وآياته هو ترتيب توقيفي من عند الله، لم يتغير فيه شيء، وستبقى الأجيال محافظة على هذا الترتيب لأنه توقيفي ما كان إلا بالوحي، وليس لأن الصحابة قد رتبوه كذلك، اجتهادا شخصيا منهم ليس له أصل معلوم لديهم.
وإن من حق القرآن على العلماء أن يقولوا كلمتهم في هذه المسألة دون خوف أو محاباة أو مجاملة للأشخاص، وإلا فإننا سنورث هذه المسألة وأمثالها إلى الأجيال القادمة، وهم سيورثونها للقادمين بعدهم، ولكننا لا ندري إلى أين ستنتهي بها الأمور.
واما عن الإعجاز العددي - وبصراحة - فليس ما يزعجني أن يرفض أحد ما الإعجاز العددي، يزعجني ويقتلني أن يطرح أحدنا جملة من الحقائق العددية الملموسة والتي تقشعر لها أبدان المؤمنين المخلصين، فيخرج رافض الإعجاز العددي مستدلا على أن تلك الحقائق باطلة لأن العلماء مختلفون في عدد سور القرآن!!!
طيب: وما تفسير تلك الحقائق؟
(طبعا هذا يعني أننا حتى الآن لم نصل إلى حل لذلك الاختلاف، ولا أدري كيف يمكننا أن نقنع غيرنا بأن عدد سور القرآن هو 114، لأنهم سيقولون لنا ما يقوله اكابرنا) ..
إعجاز الترتيب في سورة البقرة، في سورة مريم، في سورة المدثر، في سورة القلم، في سورة الطارق، في سورة الرحمن، في سورة الفاتحة، و .... كل واحدة من هذه السور فيها دليل على أن ترتيب سور القرآن هو من عند الله، سواء قال القدماء بذلك أو لم يقولوا .. يكفي القرآن شاهدا وناطقا.
فهل من ناطق بكلمة حق؟
مع فائق التحية للأخوين الكريمين عبدالرحمن الشهري، وأبو عمرو البيراوي.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[26 Feb 2009, 07:23 م]ـ
أنا لست من المتحمسين الآن للإعجاز العددي بمعطياته الحالية وبمعالجاته الراهنة ولكني مؤمن بأن كلام الله منضبط وفيه من النظام ما ليس في غيره من سائر أنواع الكلام ولهذا يمكنني أن أقول بهذا النوع من الإعجاز بصورة منهجية ليقيني أن كلام الله متفرد في كل جانب من جوانبه وفي كل بعد من أبعاده، ولكن دلالات العدد عندي أهم من العدد في نفسه، وعلماؤنا الأقدمون كانت لهم إحصاءاتهم التي بينوا دلالاتها وأظهروا معانيها ولم يكن الحساب مرادا لنفسه ولا مقصودا لذاته
وقد كان الصوت الراجح في تفسير الحروف المقطعة في افتتاح بعض السور لأولئك العلماء الذي قاموا بإحصاء العدد وإبراز دلالاته؛ حين كان للعلماء الآخرين في هذه الحروف أقوال أخرى كثيرة جدا؛ منها: أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها ولا يعلم تأويلها إلا هو، أو أنها إشارات ورموز، وقيل: إن كل حرف منها مأخوذ من أسماء الله تعالى، وقيل أنها: اسم الله الأعظم، وقيل إن هذه الحروف أسماء لسور القرآن، وقيل: إنها فواتح يفتتح بها القرآن، وقيل: إنها تنبيهات، كما هي الحال في أدوات التنبيه والنداء، وقيل: إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه، ويكون
¥