ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[26 Feb 2009, 03:52 م]ـ
شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم لم يتعرضا للصرفة في كتبهما ولم يشيرا إليها من قريب ولا بعيد وإن كان قد تعرضا لصاحبها المعتزلي إبراهيم بن سيار النظام كثيرا وقد بحثت في كل كتبهما ولم أجد أثرا لذلك ولأجل ذلك كان قول الدكتور عبد الرحمن الشهري" لم يقل أحدٌ من أهل السنة بمعناها الخاص بالصرفة "قولا صحيحا، وأظن – والله أعلم - أن الذين قالوا أن ابن تيمية وابن القيم قد تعرضا لصرفة النظام قد خلطوا بين "الصرفة" و"الطفرة" والأمران مختلفان، والطفرة عند النظام أشهر من الصرفة، وهذه الطفرة ذكرها ابن تيمية في الصفدية والفرقان والنبوات ودرء تعارض العقل والنقل ومنهاج السنة والفتاوى كما ذكرها ابن القيم في الصواعق المرسلة وقد وصفها ابن تيمية بأنها من العجائب وأنها لا حقيقة لها وأنها محل سخرية الناس ونحو ذلك، وأنشدوا فيها:
مما يقال ولا حقيقة تحته معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال عند البهشمي وطفرة النظام
أما قول د. سامي عطا حسن في بحثه القيم "الصرفة دلالتها لدى القائلين بها وردود المعارضين لها" عند كلامه عن علماء أهل السنة "ومنهم من تضاربت أقواله بين القول بالصرفة، أو نفيها، مثل: ابن تيمية، وابن القيم " فلا أرى له وجها غير أنه قصد ذلك الجانب المضئ في النظرية- رغم بطلانها - وهو جانب الأخبار بالغيب الذي برر به الخياط القول بالصرفة عند دفاعه عن المعتزلة في كتابه "الانتصار"، وهذا الجانب لم يقل به ابن تيمية ولا ابن القيم فحسب بل قال به كل علماء الإسلام من الطوائف وابن تيمية وابن القيم قد ذكراه كثيرا في كتبهما ولكن لم يشيرا إلى النظام فيه
ولم أعلم أن أحدا من أهل السنة داخل مدرسة ابن تيمية قد قال بالصرفة على النحو الذي قال به النظام، لكن ابن كثير قبل الصّرفة بتحفّظ شديد وعدّها –مع كونها غير مقبولة لديه-وجها يصلح للدفاع به عن القرآن وإعجازه وربما كان ناقلا لهذا القول فحسب؛ يقول" وقد قرّر بعض المتكلّمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصّرفة؛ فقال إن كان هذا القرآن معجزا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته فقد حصل المدعى؛ وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك - مع شدة عداوتهم له -كان ذلك دليلا على أنه من عند الله؛ لصرفه إياهم عن معارضته مع قدراتهم على ذلك. وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية - لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته كما قررنا - إلا أنها تصلح على سبيل المجادلة والمنافحة عن الحق)
وهذا موقف غريب إلى حد ما، لكن قول الغالبية من العلماء هو إنكار جانب الصرف هذا؛ يقول الإمام الفرطبي: (هذا فاسد؛ لأن إجماع الأمة أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا إن المنع والصّرفة هو المعجز لخرج القرآن عن أن يكون معجزا، وذلك خلاف الإجماع، وإذا كان كذلك علم أن نفس القرآن هو المعجز؛ لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة؛ إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه)
والحق أن النّظّام لما أنكر الإعجاز البلاغي للقرآن؛ وبرر عدم الإتيان بمثله فصاحة وبلاغة ونظماً - بالصّرفة، فإنه ما كان له أن ينكر الإعجاز على إطلاقه و بجميع أشكاله جملة واحدة؛ وذلك لأن القرآن قد ذكر أن الإنس والجن لن يأتوا يمثله؛ وذلك في قوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) ً
وبوجود هذا النص وأمثاله في القرآن لا يمكن لمسلم أن ينكر إعجاز القرآن، ولما كان الأمر على هذا الوجه فقد ذهب النّظّام إلى أن القرآن معجز؛ ولكن إعجازه ليس في النظم و البلاغة والأسلوب؛ وإنما في الإخبار بالغيب يقول الخياط – بعد أن ذكر أن القرآن معجز عند النّظّام في الإخبار بالغيب -: (…. فالقرآن عند إبراهيم (النّظّام) حجة على نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم من هذه الوجوه وما شابهها و إياها عنى الله بقوله: (لئن اجتمعت الأنس والجن … .. )
¥