سيد يقول:

"والله سبحانه يعلم علماً لَدُنِّياًّ من يخافه بالغيب"

واعتراضك على كلمة "لدُنِّي"

وأنا الذي أفهمه من كلام سيد رحمه الله هو أنه يقصد بذلك علم الله السابق في خلقه قبل وقوع مقتضى علمه منهم، وهذا لا أرى فيه إشكالا مادام أن إطلاقه لا يحتمل وصف الله بالنقص بوجه من الوجوه، وكل علم أعطيه المخلوق كله من عند الله تعالى وقد وصف الله تعالى علمه الذي أعطاه لعبده الخضر بقوله:

"وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا"

والشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى قد استخدم نفس عبارة سيد رحمه الله تعالى فقال:

"وهذه الرحمة والعلم اللدني "

ولا شك أن الشيخ الشنقيطي يعني بذلك علم الله السابق في الأمور والأحداث التي أطلع عبده الخضر عليها.

وأما سؤالك:

"وهل العلم المعبر عنه باللدني لا يقع؟ "

فأقول بعضه قد يقع وبعضه قد لا يقع وأحداث قصة الخضر دليل على ذلك، وأنت تعرف عبارة السلف: " ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون "

يقول شيخ الإسلام رحمه تعالى في جامع الرسائل:

"ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما يعلم ما أخبر الله عن أهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) وأنهم (لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) وأنه (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وأنه (لو كان فيهما آلهة كما يقولون إذاً إلا ابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) وأنهم (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) وأنه (لولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً) ونحو ذلك من الجمل الشرطية التي يعلم فيها انتفاء الشرط أو ثبوته.

فهذه الأمور التي نعلمها نحن ونتصورها، إما نافين لها أو مثبتين لها في الخارج أو مترددين - ليس بمجرد تصورنا يكون لأعيانها ثبوت في الخارج عن علمنا وأذهاننا، كما نتصور جبل ياقوت وبحر زئبق وإنسانا من ذهب وفرساً من حجر. فثبوت الشيء في العلم والتقدير ليس هو ثبوت عينه في الخارج، بل العالم يعلم الشيء ويتكلم به ويكتبه وليس لذاته في الخارج ثبوت ولا وجود أصلاً. وهذا هو تقدير الله السابق لخلقه كما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخميس ألف سنة ".

وقال شارح الطحاوية رحمه الله:

"قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ).

ش: فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يُرَدُّونَ، وَلَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} "

أما سؤالك:

وهل علم الوقوع مكتسب بعد جهل؟

فأقول:

هل فهمت أنت ذلك من كلام سيد؟ وهل تظن أنه يعتقد ذلك؟

أعتقد أنك ستجيب بالنفي، وإلا فإني سأقول لك ما معنى قول الله تعالى:

"وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ" البقرة من الآية (143)

وقوله:

"ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا" الكهف (12)

وقوله:

"إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ" سبأ من الآية (21)

وقوله:

"أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"آل عمران (142)

وقوله:

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) التوبة (16)

وبهذا أعتقد أن سيدا لم يرتكب خطأ ولم يستخدم مشكلا.

والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[08 May 2010, 11:38 م]ـ

اقتباس:

ويقول رحمه الله:

({الذين يؤمنون بالغيب}. . فلا تقوم حواجز الحس دونالاتصال بين أرواحهم والقوة الكبرى التي صدرت عنها، وصدرعنها هذا الوجود؛ ولا تقوم حواجز الحس بين أرواحهم وسائر ما وراء الحس من حقائقوقوى وطاقات وخلائق وموجودات.

يقول أخونا الفاضل محمد الشبعاني معترضا على كلام سيد أعلاه:

"من المقصودبالقوة الكبرى؟ وهل يصح تسمية الله بالقوة الكبرى؟ أليست أسماء الله وصفاته توقيفية؟ أم أن سيد لا يسأل عما يكتب؟ "

أخي الفاضل محمد وفقنا الله تعالى وإياك لكل خير:

نعم هناك قوة ليس لها مثيل صدر عنها هذا العالم، قوة خلقته وأبدعته وصنعته إنها قوة الله القوي.

وهذا "ببساطة" ما يعنيه سيد رحمه الله.

ولم يقل سيد أن من أسماء الله "القوة الكبرى".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015