إنها التربية الروحية قبل التحرك للدعوة والتلبس بالجندية .. ولا نطيل فهو واضح .. نشرع في بيان المحك الحركي ..
الحركة التربوية:
على الدعاة أن ينتخبوا الشباب الذين مروا بالتربية العلمية والتأهيل النفسي والتربية الروحية بصورة معقولة .. وذلك لتأهيلهم للتحرك للدعوة بصورة حركية .. وهنا يبدأ التخطيط الواقعي (المحكي) فننظر؛ هل ظروفه تسمح للدعوة المنبرية؟ أم هي للفردية؟ أم من خلال الإنترنت؟ أم التحرك في الأماكن العامة؟ .. إلخ. فالتخطيط الحركي الجاد والمنطقي كذلك لابد أن يبدأ فور وصول المتربي إلى تلك المرحلة.
سورة الفاتحة .. تعهد المؤمن بتواصله العبودي بعد اكتمال أركانه!
بصورة المدثر يكون قد اكتمل البناء بأركانه .. حيث العلم .. والاستعداد النفسي لمواجهة المخالفين .. والتربية الروحية حيث الصلة بالله في زمن الابتداء في تولي هذه العقيدة .. وأخيرا التحرك الواقعي لتبليغ هذا الدين .. فهنا يكون المؤمن قد انتهى إلى الخط الأفقي المناسب والذي سيسير عليه أفقيا .. بينما كان قبل ذلك يندفع عدة اندفاعات إليه خروجا من جاذبية الأرض .. الاندفاعة الأولى كانت العلم .. والثانية التأهيل النفسي .. والثالية تقوية الصلة والاستعداد الروحي .. والرابعة التحرك للدين .. الآن قد استقر المؤمن في صورته التي يريده الله فيها .. فجاء وقت التعهد بالرعاية لكافة ما سبق .. أو التعهد بمتابعة المؤمن لتفعيل كافة ما سبق وترجمته. فكانت الفاتحة.
فتبدأ السورة بالثناء على الله تعالى، فالحمد لك يا رب العالمين، يا رحمن يا رحيم، يا مالك يوم الدين .. وهذا تقرير للعقيدة التي تعلمها المؤمن في أول ما نزل من القرآن، فبعد أن علم أن الله هو الرب الذي خلق، هنا يحمد رب العالمين! ويدعوه بصفاته التي يرجو بها المؤمن الخير، فهو الرحمن الرحيم، ثم هو مالك يوم الدين، وهو اليوم الذي يتعق به قلب المؤمن في الحساب والجزاء واسترداد الحقوق، فالمؤمن لا يتعلق بحق من الدنيا على سبيل الغاية والإطلاق.
ثم ينطلق المؤمن في السورة مترجما لواقع ما سبقها من القرآن المكي .. فيستعين بالله تعالى .. على ماذا؟ على كل شيء .. على التأهيل النفسي لمواجهة الأعداء في سورة القلم، وعلى التأهيل التعبدي وإقامة الصلاة في سورة المزمل، وعلى مشاق الدعوة في سورة المدثر .. فالله قال له في المزمل (قم الليل إلا قليلا) وقال له في المدثر (ولربك فاصبر) .. فيقول المؤمن هنا (إياك نعبد وإياك نستعين)! .. نعم، إنها منهجية التربية في القرآن المكي!
ثم ينطلق المؤمن يدعو ربه أن يهديه الصراط المستقيم .. يساله ذلك بعد أن تبين له الصراط كاملا .. نعم .. تبين له الصراط أنه علم وصبر وصلة بالله ودعوة شاقة .. تلك هي مقومات الصراط، قد تعلمها المؤمن في السور السابقة على، وهو هنا ـ وقد نضجت لديه تلك التصورات والتحركات ـ يستجمعها في دعاء واحد هو سورة الفاتحة!
الحركة التربوية:
لدينا شباب منتخب قد تحرك بالفعل للدعوة في مرحلة المدثر، هذا الشباب لابد من تعهده بالرعاية والتذكير بالصراط ومقوماته، وهي العلم من العلق، والدعوة من المدثر، والإعداد الروحي والتربية الفردية من المزمل، والتأهيل النفسي في مواجهة الأعداء من القلم .. فهو علم وعلاقة بالله وتبيلغ للعلم واستعداد للعدو .. فلابد من تعهد الشباب بذلك؛ بتذكيرهم به في خطاب واحد يجمعها وهو من جوامع الكلم .. محاكاة لسورة الفاتحة التي أجملت كل ما سبق عليها من الخطاب المكي.
سورة المسد .. تثبيت المؤمنين بذكر واقع أعدائهم .. وهو نهج رباني!
سبب نزول سورة المسد معروف مشهور، فقد رواه البخاري عن ابن عباس – فهو مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يكن قد ولد بعد ولا ضير فيه – لما نزل قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) وما كان فيه من القصة المشهورة، ومما فيها أن أبا لهب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ .. فأنزل الله تعالى سورة المسد.
لا شك أن القرآن ليس لغو! وما ينزل منه من كلام إلا بتدبر الملك جل جلاله، ومثله سورة المسد، إنها إخبار بحال فاسق عن أمر الله وحال امرأته الفاسقة عن أمر الله ..
¥