ولكن بالآية شيء عجيب يمكن أن نستل منه الحركة التربوية – أو التربوية الحركية - .. إنه رغم كفر أبي لهب وكفر امرأته إلا أن غيرهما كذلك هم من أشد الناس كفرا، وكذلك الآيات لا تدور حول بسبب نزولها حول مجرد كفره وإن كان هو محور لخطاب الله حول أبي لهب وامرأته .. فالآيات تدور في محورها خصيصا حول موقف أبي لهب وامرأته من النبي صلى الله عليه وسلم .. من حيث الإيذاء بالقول والفعل .. فقول أبي لهب " تبا لك سائر اليوم " .. وما كانت امرأته تقوم به من الإيذاء البدني كذلك .. ذلك هو ما أنزل الله لأجله السور .. وليس هو مجرد الكفر، وإلا فغيرهما كان من أشد الناس كفرا كما سبق، ولم ينزل بهم قرآن، ولم يكونوا على تلك الدرجة من الاهمية أن ينزل بهم قرآن! .. فتتضح لدينا الغاية التربوية هنا والتي ننتقل غليها مباشرة فلا نطيل ..

الحركة التربوية:

إن الشباب في عصرنا – وقد استقروا في العلم والدعوة – يواجهون منغصات عديدة، من أبرزها هو تعرضهم للأذى على أيدي أناس بلغوا من العتو والإيذاء ما بلغ أبو لهب وامرأته أو يزيد! .. والله تعالى علمنا هنا أن نسري عن أرواح المؤمنين بتشميتهم في أعداء الله الذين يسومونهم سوء العذاب .. فلاالتفات هنا إلى الاجتهادات الشخصية التي يحاول أو يبتكرها بعض الدعاة سواء بالسلب أو الإيجاب، بالموافقة أو المخالفة، فهي مجرد تصورات بعيدة عن تفصيل وفعاليات السلوك الرباني .. وكلها ـ مع غيرها من التصورات الدخيلة ـ هي ثمرة البعد عموما عن كتاب الله تعالى كمنهج (مفصل) في قضايا التربية.

أما كيفية أداء ذلك فهي بتذكير الشباب المبتلى بالآيات والآثار التي توعد الله تعالى بها المتعرضين لأوليائه .. وكذلك يصلح سرد قصص خواتيم الطغاة من المعاصرين ممن آذوا المؤمنين في أبدانهم وأعرضهم، ممن ختم الله تعالى لهم بالسوء، فجعلهم عبرة .. فإن ذلك يسري على قلب المؤمن المبتلى .. كما سرى الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بحال أبي لهب وامرأته الذين بلغا من الإيذاء مبلغا بحيث إن الإخبار بمصيرهما ليسري على قلب أرحم البشر!

بقيت قضية يمكن أن تشكل؛ وهي أن أبا لهب وامرأته كانا كافرين .. فأقول: هذا لا دخل له في المعنى عموما؛ فمعنى التسرية والترويح والتشميت حاصل ومتعد .. أما وصف الكفر من عدمه فإنه يظهر في وصفنا للمتسرى به والمشموت فيه، فكل بقدره .. ويبقى المعنى وهو أن من أكبر عوامل التثبيت هو التشميت والاطلاع بأحوال من عادوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .. وهذا ما يعلمنا إياه المنهج القرآني في غير ما موضع، وكما يثبت في كثير مواقف من السنة. فعلينا أن ننتهج النهج القرآني المتكامل لا التورم في جانب على حساب جوانب لاكتساب مسحة عامة في أحدها تعكس الميول العامة للمكلف ولا تعكس تكامل التربية القرآنية. فتفطن.

والحمد لله رب العالمين

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[22 Feb 2009, 09:56 ص]ـ

جزاك الله خيراً أخي محمد

ولا شك في وجود أثر تربوي واقعي في نفوس المؤمنين من جراء تنزل القرآن بذلك الترتيب , ويبقى بعد ذلك الاجتهاد في تلمس ذلك الأثر , واستنباط روابط الآيات مع الأحوال والأوقات التي عايشتها.

وقد وقفت على محاولات جيدة للربط التربوي بين السور بترتيبها المعهود في المصحف , وفيها نتائج جميلة.

ويبقى بعد ذلك من الوجوه العناية بمجموعات السور التي ورد في النص الشرعي وصفها بصفة جامعة لها تتميز بها عن غيرها (السبع الطوال - المئون - المفصل - الزهراوان .. ) فهناك متسعٌ من الكلام والاستنباط فيها جدير بالنظر والاستفادة.

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[22 Feb 2009, 10:05 ص]ـ

وأرى من الضروري التنبيه على أن أعظم ما يطلب من أهل العلم والدعوة في هذا الوقت -وكل وقت- الأخذ بذلك المنهج الرباني في التربية , وهو: تنزيل الآيات على الوقائع , والربط بين معاني الآيات والأحداث. فهذا أعظم أسلوب تربوي في بناء الفئة المؤمنة.

وذلك يستلزم مقدمات مهمة:

أولاً: استظهار آيات القرآن الكريم.

ثانياً: فهم معانيها ودلالاتها بوضوح.

ثالثاً: حسن الربط بين الآيات والوقائع بلا تكلف.

فهنالك نرى أعظم الأثر لهذه الآيات في واقع الناس , وهذا لعمري واجب العلماء والدعاة الصادقين.

ـ[محمد رشيد]ــــــــ[22 Feb 2009, 12:28 م]ـ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015