د – سورة القلم فيها التسلية والمواساة .. والمواساة وسورة المزمل فيها الأمر بالتعبد؛ وهذا فيه مناسبة الداء بالدواء! نعم .. في القلم أخبره بما يقولونه وما سيلقونه .. وفي المزمل أمره بدوره في مواجهة تلك الاتهامات وأنها لا يداويها إلا التعلق الشديد بالله تعالى .. فسبحان الله! لقد ناسبت المبالغة في العبادة حتى تتورم القدم المبالغة في شدة استهزاء الكفار التي تكون في مبدئها قوية عنيفة قبل أن تستقر الأمور وتصير أمرا واقعا يقبل التفاوض!

الحركة التربوية:

من هنا يمكن أن نتصور الحركة التربوية ـ أو التربوية الحركية ـ من خلال سورة المزمل؛ فأقول: على الدعاة أن يعملوا على وضع برنامج تعبدي ـ متناسب طردا مع أحوالهم الآنية ـ بحيث لا يشغلهم ذلك البرنامج عن القضية لاأولى وهي العلم، وبحيث لا يشغلهم كذلك عن (الجندية) التي هي الخطورة التربوية الحركية القادمة في تربية القرآن المكي ..

ومن هنا كذلك يتبين لنا خطأ بعض المدارس التي (توخم) عقول أتباعها فتقيمهم في عبادات توقيفية بحتة ـ وأقول توقيفية لإثباتي وصف العبادة في غير العبادات المعهودة من صيام وصلاة ـ فتتوخم علومهم، وتخمل أو تعدم لديهم قضايا هي من أصول الاعتقاد، وهي قضايا الولاء والبراء بحيث يظهر هذا في القول والعمل والاهتمام بأمور المسلمين .. وهؤلاء الدعاة غالبا لا يؤدون دورهم تجاه مواساة وتحفيز وتصبير المبتلين من المؤمنين .. بل إنهم ممن يصدم فيهم من يظنهم الصدر الحاني الدافئ من برد الابتلاء والقهر ..

وهذه التوجهات ـ وأصحابها منهم من مهم من الأفاضل فعلا ـ قد اصيبوا بذات (التطرف) الذي أصيب به من هم على الطرف النقيض منهم .. فكما أصيب أناس بتطرف الحماسة من غير ضبط ولا تأصيل ولا تربية؛ فيحسبون كل دعوة للتربية هي تخاذل وتماوت وخيانة .. فكذلك أصيب هؤلاء بذات الداء؛ فيحسبون كل دعوة أو تذكرة بالجهاد ومتابعة قضايا الأمة هي تطرف ورعونة وسخونة غير منضبطة .. وكأن الانضباط هو التماوات والانغلاق في المساجد بحيث يتخلون حتى عن تدريس العلم الشرعي .. حتى قال لي أحدهم يوما: " إن علم أصول الفقه يدخلك النار! " ـ ومفهوم توجييه ولا شك ولا هذا الإطلاق حمل هيئته فعلا من المبالغة وتخلى هؤلاء عن أمانة التعليم ..

وما هذا وذاك (التطرف) من الفريقين إلا لبعدهما ـ معا ـ عن وحدة كتاب الله تعالى المتكاملة .. فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير مثال وكان قرآنا يمشي على قدمين .. وقد رباه الله رب العالمين!! هو من كان تحمر حدقته كأنه منذر جيش! وهو من كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه! وهو من كان ييقوم وينام ويصوم ويفطر ويجامع النساء! إنه التكامل القرآني يا أيها الدعاة .. كان النبي صلى الله عليه وسلم متكاملا لأن القرآن متكامل؛ وهو قد صار قرآنا يمشي على قدمين صلى الله عليه وسلم.

فعلى الدعاة ـ جميعا ـ أن ينوبوا إلى مصدر منهجهم حركيا، وأن يتحركوا حركية واقعية منهجية بهذا القرآن .. لا مجرد التسليم النظري.

سورة المدثر .. الجندية! بعد التعليم والتربية الروحية ..

سبب نزول سورة المدثر معروف ومشهور .. والذي يعنينا بقوة هنا هو قضية السياق .. لقد نزلت المدثر بعد المزمل .. فتأمل

المزمل = تربية روحية وصلة بالله

المدثر = جندية

ماذا يعني ذلك؟ .. نتبينه مباشرة من الحركة التربوية

الحركة التربوية:

مرحلة الجندية للدعوة والتبليغ مرحلة ضرورية ولا يفرط فيها عملا إلا من لا يلفتنا أن نسود صفحات الورق بالرد عليه .. ولكن القضية هي: متى تكون مرحلة الجندية في الدعوة؟

سنذهب يمينا وشمالا ونجتهد ونخرج بأفكار ونجرب .. إلخ!

الرسول صلى الله عليه وسلم كان داعية وكان أعظم مجند للإسلام في التاريخ ..

والقرآن كان هو خطاب التربية ..

فالقضية يسيرة إذا ورغم ذلك لا نراها!

نرى كيف كانت مرحلية الخطاب التربوي لأعظم داعية .. أليس كذلك؟

بدأت القضية بالعلم (العلق) .. ثم التأهيل النفسي للمواجهة مع المخالفين (القلم) .. ثم التأهيل الروحي والصلة بالله (المزمل) .. والآن .. وبعد حصول العلم والتأهيل النفسي والروحي .. يناسب جدا أن يأتي دور الدعوة والتحرك للتبليغ، فكانت سورة المدثر!

سبحان الله تأمل؛ السابق لها: يا أيها المزمل قم الليل .. ثم التالي لها: يا أيها المدثر قم فأنذر!!

ماذا يعني ذلك؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015