الجواب – وهو ظني -: إن محتوى السورة ـ والله سبحانه أعلم ـ لا يدور حول قضية وقعت بالفعل؛ وإنما يدور حول قضية ستقع حتما للنبي صلى الله عليه وسلم وهو التكذيب واتهامهم له بالجنون ـ بأبي هو وأمي ـ.

الحركة التربوية:

من هنا يمكننا تصور المحك التربوي، فأقول:

بعد الإعداد العلمي الثقافي المناسب والنسبي كذلك لشباب 2009 ـ مع اقتران ذلك بالعمق التربوي الفردي من عبادات وأخلاق ـ وبعد تصفية الطائفة المناسبة والبدء في تجنيدها بالمهام الدعوية ـ حيث الدعوة هي الوظيفة الرئيسية للمسلم ـ هنا لابد من توعية تلك الطائفة بما سيلاقونه من إيذاء وتسفيه من خلال أجهزة الإعلام الخاضعة لأنظمة تعادي الإسلام روحا وهيكلا .. وهنا لابد من تنبيه الشباب الجدد إلى تضخم هذا المد السرطاني الأبله المسمى بـ (العلمانيين) .. وأنهم سيتهمونهم بالتخلف العقلي والهوس الديني والجنون كما نراه على الفضائيات .. ولابد ـ اتباعا لمنهج سورة القلم ـ من أن نذكر لهم هذا الأمر على أنه قطعي الوقوع؛ حتى أننا نقصه عليهم بأمر واقع بالفعل .. وذلك للوصول بالشباب إلى أكبر درجة من الاستعداد النفسي لمواجهة مثل تلك الاتهامات ..

ولابد من تصبير الشباب وتذكيرهم بأن أعمارهم قصيرةوأنهم سيجتمعون بأعدائهم أمام الله جل وعلا .. وأن الله تعالى هو أعلم بحال هؤلاء الشباب الدعاة وحال العلمانيين والقائمين على أجهزة الإعلام العفنة .. فعلى الشاب أن يستمر في طريقه ولا يأبه لما يصيبه .. فهو أمر مؤكد الوقوع .. وليس من شأنه أن يفت في عزيمة الشاب الداعي إلى الله.

وتبع هذا الإعداد النفسي إعداد تربويا فيه الصلة بالله تعالى صلة مباشرة لتكون زادا للطريق .. فنزلت المزمل!

سورة المزمل .. الإعداد التعبدي الفردي بجوار إعداد المواجهة ..

ما يروى من قصة نزول المزمل وهو الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:" دثروني وصبوا عليّ ماءا باردا" الصحيح أنه نزل في سورة المدثر .. لا المزمل .. ولم يصح – والله أعلم – في نزول سورة المزمل شيء يعد من أسباب النزول .. وإنما هو خبر ابي داوود عن ابن عباس: " لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى أنزل آخرها وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة".

والذي أراه ـ والله سبحانه أعلم بمراده ـ أن سورة المزمل نزلت بعد القلم لتكتمل بها عناصر التربية .. ففي العلق كان العلم .. وفي القلم كان الإعداد النفسي لمواجهة العتاة المجرمين العلمانيين .. ثم في العلق تربية المؤمن تعبديا .. أي التربية الفردية وتقوية الصلة بالله تعالى من خلال (الصلاة).

وحينما تأملت وجدت هناك أربعة أسباب تقنع بذلك الترتيب:

أ – هجمات الأعداء الكافرين تبدأ من فورها بعد العلم واعتناق العقيدة الذي كان في العلق وهو أسبق على مرحلة النضوج النفسي الكامل؛ فالعداء يبدأ مع المخالفة .. لذا قدم التأهيل النفسي لمواجهة الأعداء على الإعداد التعبدي التربوي الفردي بطول القيام – وهذا جواب لسؤال محتمل: لماذا قدم الإعداد النفسي تجاه الأعداء على الإعداد التربوي بتقديم القلم على المدثر –

ب – جاء في كلام السلف حول معنى الأثر آنف الذكر أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم تورمت من الصلاة في السنة التي بين نزول النصف الأول من المزمل ونزول نصفها الأخير .. فلما نزل الأخير خفف من الصلاة .. وهذا له أثره الغريب في عملية التربية! إنه يعتنق عقيدة جديدة .. ويكتسب أعداءا جددا! إنه يحتاج إلى مرحلة صلة أطول بالله .. في حين يعتنق عقيدة جديدة ويواجه أعداءا جددا .. فلابد من تلك المبالغة لتستقر القضية في النفس .. قضية الاعتقاد وقضية مواجهة الأعداء بها ..

ج – المواجهة مع العدو لابد أن تكون لمعيار واحد وهو العقيدة في الله تعالى .. ومن هنا كان الأمر بالتعبد؛ ووكانت الصلة بالله التي في سورة المزمل مناسبة أشد المناسبة للاتهام بالجنون والمعاداة في سورة القلم! تأمل

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015