- إذا صحّ قول الإمام القرطبي – ونحسبه صحيحا- أن الزعم بضياع أكثر من مائة آية من سورة الأحزاب إنما كان فرية وضعها الملاحدة والروافض فإنه يبقى سؤال شديد الأهمية وهو لماذا اختيرت سورة الأحزاب دون سواها؟، والجواب - كما يرى الباحث- أن زيد بن ثابت رضي الله عنه وأعضاء لجنته الذين جمعوا المصحف عندما وضعوا تلك الشروط الصارمة للتدقيق حيث لم يكتفوا بحفظهم ولا الأوراق المكتوبة لديهم وإنما اشترطوا أن يأتي الحافظ للآيات التي يراد كتابتها ومعه شاهدين عدلين فجمعوا كل القرآن بهذه الطريقة الدقيقة إلا آية واحدة من سورة الأحزاب فإنهم رغم حفظهم لها ورغم الأوراق المكتوبة لديهم -كما هي شروطهم - أخذوا يبحثون عن حافظ لها حتى وجدوه؛ وبذلك وجد الملاحدة والروافض ثغرة فبدلا من آية فُقدت ثم وجدت صارت القصة أكثر من مائة آية فقدت وما وجدت؛ وقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه) ِومما يدل على أن الفقدان لم يقصد به مطلق الفقدان، وإنما قُصد به عدم توفر شروطهم في الآية المذكورة - أن زيد بن ثابت قال كما في هذه الرواية: " كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا" ومعنى ذلك أن زيد يحفظها ويتذكرها ولكنه لم يرد كتابتها من حفظه؛ لأن ذلك ليس شرطه في الجمع.

2 - نسخ التلاوة والحكم معاً:-

استدل بعض العلماء ببعض الأحاديث والآثار على وجود هذا النوع من النسخ، يقول ابن عمر: (لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كله، وما يدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن فليقل: أخذت ما ظهر) وعن حميدة بنت يونس قالت: قرأ أبي وهو ابن ثمانين في مصحف عائشة: (أن الله وملائكته يصلون على النبي وعلى الذين يصلون في الصفوف الأول) قبل أن يغير عثمان المصاحف) وروي أن رجلان قرأ سورة أقرأهما إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرأن بها فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال: إنها مما نسخ فالهوا عنها وروي أنه مما كان يقرأ من القرآن: (لو كان لابن آدم واديان واد من ذهب وواد من فضة لابتغي واد ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)

وقد واجه العلماء المنكرون لهذا النوع من النسخ - بانتقادات شديدة منها:-

- هذا النوع من النسخ يشير وبصورة مباشرة أن هنالك قرآناً أنزله الله تعالى فضاع وفقد أو نسي وهذا مخالف لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقوله: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى).

- أن أبا بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهما عندما جمعا القرآن لم يغفلا فيه شيئاً وإلا فما الفرق بين هذه الدعوى ودعوى الروافض بكتمان الصحابة لبعض القرآن. ومعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أحرص الناس على الاحتياط للقرآن وكانوا أيقظ الخلق في حراسته.

- الحديث المروي عن ابن عمر ضعيف جداً وفيه عبد الله بن لهيعة وهو رافضي ضعيف تجنب العلماء الرواية عنه كما سبق ..

- أما حديث الرجلين الذين نسيا السورة التي أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم – فهو حديث ضعيف جداً وفيه عباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد بن حنظلة الواقفي الرافضي الذي وُصف بأنه منكر الحديث وليس بثقة ولا يصدق وفي إسناده أيضا سليمان بن أرقم وهو ضعيف؛ قال عنه الحسن والزهرى وأبو داود والدارقطني: (متروك) وقال الجوزجانى: ساقط. وقال أحمد: (لا يروى عنه) وقال محمد بن عبد الله الأنصاري: (كنا ننهى عن مجالسة سليمان ابن أرقم) وذكر منه أمرا عظيما

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015