- أما حميدة بنت يونس راوية الحديث عن أبيها فهي مجهولة، وكون أبيها الذي تجاوز الثمانين قد قرأ من دفتر شخصي لعائشة رضي الله عنها – إن صحت تلك الرواية فرضاً – لا ينهض دليلاً على أنه قرآن.

- جاء في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد والمستدرك على الصحيحين وسنن الدارمي وصحيح ابن خزيمة ومصنف عبد الرزاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ) ويبدو أنه لما تشابه صدر آية الأحزاب وأول هذا الحديث أدخل بعض الرواة غير المدققين هذا في هذا

- وردت عبارة (لو كان لابن آدم واديان ... ) في روايات مختلفة وفي مواضع متنوعة ومع عبارات كثيرة لا يسهل قبولها كلها؛ فقد وردت (إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واديان) وهي رواية ضعيفة وفيها هشام بن سعيد المدني وهو ضعيف وكان يحيى بن معين يرفض أن يروي عنه شيئا، وورد (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ... ولو كان لأبن آدم واديان ....... ) وفيه عاصم بن بهدلة بن أبي النجود وهو صدوق لكنه في الحديث سيئ الحفظ كثير الخطأ وله توهمات وورد (سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو كان لأبن آدم واديان ......... ) وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو رافضي ضعيف لا يحتج به؛ ومع ذلك كان سيئ الحفظ جدا

-وردت هذه العبارات بصورة متنوعة ومختلفة جدا في كتب الحديث فقد جاء في البخاري: (وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ) وفيه أيضا (لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالًا لَأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ) وفيه (لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْئًا مِنْ ذَهَبٍ ...... وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ) وفيه (وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ) وجاء في مسند أحمد (لَابْتَغَى إِلَيْهِمَا آخَرَ وَلَا يَمْلَأُ بَطْنَ ابْنِ آدَمَ) وجاء في مسند الشاميين للطبراني (لو سيل لابن آدم واديان ........ ولا يشبع ابن آدم) وفيه (ولا يملأ نفس ابن آدم)

- ذهب ابن حجر إلى أن كثرة روايات (لو كان لابن آدم .... ) مع آيات مختلفة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه العبارات في مواضع كثيرة، وهي من كلامه، ولم يتهيأ للصحابة أن يستفصلوه، وقد أخبر به عن الله تعالى ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية والله أعلم

- اعتبرت عائشة أن هذه العبارة "مثلا" كان يتمثل به صلى الله عليه وسلم؛ ففي مسند أحمد قيل لِعَائِشَةَ: (هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ شَيْئًا إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ تَمَثَّلَ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ ........ ويقال في اللغة تمثل فلان أي ضرب مثلا

- في مسند الإمام أحمد قال أَنَس عن هذه العبارة (كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُه فَلَا أَدْرِي أَشَيْءٌ نَزَلَ عَلَيْهِ أَمْ شَيْءٌ يَقُولُهُ) و جاء في البخاري: عن ابن عباس أنه قال: (فلا أدري من القرآن هو أم لا)

- جاء في البخاري: (عنْ أَنَسٍ عَنْ أُبَيٍّ قَالَ كُنَّا نَرَى هَذَا مِنْ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ)

ويقول ابن حجر: (ووجه ظنهم أن الحديث المذكور من القرآن ما تضمنه، فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الأول من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

وأظن أن هذا الأمر مازال في حاجة إلى دراسات متعمقة

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[21 Feb 2009, 09:30 م]ـ

الحق أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يعنون بالنسخ ذلك المفهوم المتأخر؛ فقد روى البخاري عن ابن عمر أن الآية: (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ) نسختها الآية التي بعدها وهي (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وهذا عند الأصوليين تخصيص للعام وليس نسخاً.

ولهذا أكد الإمام الشافعي والشاطبي وغيرهما من الأئمة أن مفهوم النسخ عند الصحابة ليس هو مفهومه عند الأصوليين والعلماء المتأخرين؛ ولهذا كان مفهوم النسخ عند الصحابة واسعاً جداً، وقد أورد الإمام الشاطبي بضعاً وعشرين مثالاً للتدليل على هذا الأمر، ثم يقول: (النسخ عندهم "أي الصحابة" في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين فقد كانوا يطلقون على تقييد المطلق نسخاً وعلى تخصيص العموم بدليل متصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخاً) وقد كان ابن عباس يطلق لفظ النسخ علي الاستثناء وتقييد المطلق وتخصيص العاموهذا ما جعل الإمام الشافعي يحرر مدلول النسخ في (الرسالة) ليميزه عن تقييد المطلق وتقييد العام

أما تعريفات العلماء نحو قول أبي إسحاق الإسفرايني إنه (بيان انتهاء حكم بطريق شرعي متراخ عنه) وقول ابن حزم إنه (ما تعلق بوقت فيما لا يتكرر) وقول شهاب الدين القرافي إنه: (بيان لانتهاء مدة الحكم) وقول عبد القاهر البغدادي إنه: (انتهاء مدة الحكم) وقول الجويني إنه: (اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الأول)

فهذه الإزالة التامة للحكم تحتاج إلى دراسة متعمقة؛ خاصة وأن ابن القيم قد ذهب إلى استحالة رفع معاني بعض القرآن بالكلية، يقول في مفتاح دار السعادة: (إن الله لم يأمر بشئ ثم يبطله بالكلية؛ بل لا بد أن يثبته بوجه ما، ولكن قلّ من يتفطن لذلك).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015