كفر دون كفر: صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم .. اهـ
فكأنه ارتضى قول من وثق ابن حجير عمن ضعفه، أو لما له من شواهد عن غيره .. فالله أعلم.
وفي تفسير ابن أبي حاتم (رقم 6467) من طريق ابن حجير أيضا:
في قوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
قال: ليس هو بالكفر الذي يذهبون إليه.
ولكن هذا القول صحيح في معناه وله شواهد أخرى عن ابن عباس وغيره ..
ومن الشواهد على صحة ما جاء عن ابن عباس في تفسيرها ما سيأتي وننتظر التعليق عليه بعد سرده ..
1 - قوله عن الآية: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود .....
ثم أقسم على ذلك فقال:
فيهما والله نزلت وإياهما عنى الله عز و جل.
والحديث رواه أحمد 1/ 246 والطبراني في الكبير 3/ 95 بطوله وحسنه شعيب الأرنؤوط والألباني في الصحيحة 6/ 111.
2 - قوله: هي به كفر:
روى الإمام الطبري في تفسيره (10/ 355) عن عطاء بن أبي رباح وطاووس بن كيسان اليماني بأسانيد صحيحة ..
وروى من طريق هناد السري وابن وكيع ..
(وأولاد وكيع ثلاثة: سفيان - ومليح - وعبيد بن وكيع - وهو أحسنهم)
كلاهما عن سفيان الثوري الإمام عن معمر بن راشد وهو من أقرانه ..
عن ابن طاوس وهو عبد الله بن طاووس ثقة ..
عن أبيه طاووس بن كيسان اليماني ..
عن شيخه ابن عباس الحبر والبحر، في قوله تعالى:
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال:
هي به كفر، وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وقيل الجملة الأخيرة مدرجة من كلام طاووس أو ابنه كما سيأتي تحريره.
3 - قوله: هي كبيرة:
روى ابن أبي حاتم في تفسيره (6468) قال:
حدثنا الحسن بن أبي الربيع ..
(وقد قال ابن أبى حاتم: سمعت منه مع أبى، و هو صدوق.
و ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " وقال الذهبي محدث صدوق.)
ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال:
سئل ابن عباس في قوله:
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
قال: هي كبيرة ..
قال ابن طاووس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
وروي عن عطاء أنه قال: كفر دون كفر. اهـ
قلت: قول ابن عباس: هي كبيرة أي أنه ليس بكفر يخرج من الملة ..
وقول ابن طاووس رواه الطبري بسند صحيح وسيأتي ..
أما ما جاء عن عطاء فقد رواه الطبري عنه أيضا .. وهو الآتي:
4 - قول عطاء: كفر دون كفر:
روى الطبري من طريق سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قوله:
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.
وسنده صحيح
5 - قول طاووس:
قال ابن جرير الطبري: حدثنا هنادٌ قال ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس في قوله تعالى:
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملة. وسنده صحيح.
وقال الإمام عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال:
سئل ابن عباس عن قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال: هي به كفر .. قال ابن طاوس:
وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .. وسنده صحيح.
فأفاد هذا: أن في طريق سفيان عن معمر، جعل الكلام كله لابن عباس ..
وطريق عبد الرزاق عن معمر فصل كلام ابن عباس عن ابن طاووس ..
وعبد الرزاق أوثق الناس عن معمر وكلامه المقدم عند الاختلاف.
روى ابن عساكر (تاريخ دمشق 36/ 169) من طريق حنبل قال:
سمعت أحمد بن حنبل يقول:
إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق.
فالظاهر قول ابن عباس: هي به كفر. والزيادة لابن طاووس.
وقد يقال: هذا لا يعد اختلافاً فقد رواها معمر مرة من كلام ابن عباس ومرة من كلام طاوس، وطاووس هو التلميذ النجيب لابن عباس فالاحتمال كبير في أن يكون رواها عنه .. فالله أعلم.
¥