ثم روى خمسة آثار عن عطاء قوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، قال:
كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وإسناده صحيح.
وروى بسنده عن سفيان، عن سعيد المكي، عن طاوس:
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، قال:
ليس بكفرٍ ينقل عن الملّة. وإسناده صحيح أيضاً.
(ثم ذكر آثار ابن عباس وستأتي بالتفصيل)
ثم قال: وقال آخرون: بل نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب، وهى مرادٌ بها جميعُ الناس، مسلموهم وكفارهم.
ثم ذكر آثار عن إبراهيم والحسن وغيرهما ..
ثم قال: وقال آخرون: معنى ذلك:
ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به، فأما الظلم والفسق، فهو للمقرِّ به.
ثم روى عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة وستأتي روايته.
ثم خلص ابن جرير من هذه الجولة بكلام نفيس هو كالختام لهذا التقرير ..
فقال رحمه الله وأثابه:
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيُّون بها. وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى ..
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصًّا؟
قيل: إن الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ، على سبيل ما تركوه، كافرون. وكذلك القولُ في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به، هو بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه، نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ. اهـ
وظهر من قوله الأخير أن حكم الآية العموم وإن كان سبب نزولها خاص.
ثانيا: تخريج أثر ابن عباس
والآن جاء الدور للكلام على أثر ابن عباس المختلف فيه وهو قوله في تفسير الآية: كفر دون كفر ..
وأرى أن المشكلة فيمن تطرق لهذا الموضوع أنه يتشبث بخبر ابن عباس وحده ويتجاهل الأخبار الأخرى عن طاووس وعطاء وأبي مجلز وهم من ثقات التابعين والعلماء الربانيين ..
وكأن هؤلاء التابعين بمعزل عن تفسير كلام الله وتطبيق شرعه ..
والكلام على حجية تفسير التابعين قتل بحثا ..
وإنما يعنينا هنا دراسة تلك الآثار لنخرج منها بسبيل ..
رواية هشام بن حجير في قول ابن عباس: كفر دون كفر.
فروى الحاكم في المستدرك (2/ 343) والبيهقي في سننه الكبرى (8/ 20) وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس، عن ابن عباس أنه قال:
إنه ليس بالكفر الذي يذهبون (أي الخوارج) إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) كفر دون كفر.
وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح
وضعفه البعض لضعف ابن حجير:
ترجمته هشام بن حجير
ذكر الذهبي في (من تكلم فيه وهو موثق 1/ 187) قال: ضعفه أحمد وابن معين ووثقه غيرهما.
وقال ابن عيينة: لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وذكره العقيلي في الضعفاء ..
وقد خولف في لفظه فقد رواه المروزي وابن جرير وعبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس قال: هي به كفر.
وعلى من نقل تضعيف هشام بن حجير ألا ينسى أنه من رجال الصحيحين وإن رووا عنه مقرونا بغيره، فقد قال الإمام الذهبي في الموقظة:
فكل من روى له البخاري ومسلم فقد جاوز القنطرة.
ولا ينسى كذلك أنه قد وثقه ابن حبان والعجلي وابن سعد والذهبي ..
ومن قال ابن حبان لا يعتمد على توثيقة لأنه رمي بالتساهل!!
قلنا إنما تساهله في توثيق المجاهيل .. وهو من الأئمة المتقدمين ومن المعتمد على كلامهم في التوثيق والتضعيف.
وارتضى هذا الأثر جماعة لا يحصون كثرة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير إلى علماء عصرنا رحمهم الله تعالى ..
فقال الإمام الألباني في الصحيحة (6/ 113):
¥