أن الجمال الصوتي صفة ملازمة لمفردات هذه اللغة الشريفة، يقول ابن الأثير: (إن أكثر اللغة مستعمل على غير مكروه ولا تقتضي حكمة هذه اللغة الشريفة التي هي سيدة اللغات إلا ذلك، ولهذا أسقط الواضع حروفاً كثيرة في تأليف بعضها - مع بعض استثقال واستكراه، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين وكذلك بين الجيم والقاف ولا بين اللام والراء ولا بين الزاي والسين) ويذهب الجاحظ إلى أن هذا الجمال الذاتي في مفردات اللغة يتمثل في أن مفردات هذه اللغة الشريفة لا يلتق فيها من الحروف ما ينشأ عنه صوت قبيح ناشز، فالجيم لا تقارن الظاء ولا القاف ولا الفاء ولا الغين بتقديم ولا تأخير، والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير، ويقول الجاحظ عن ذلك: (هذا باب كبير وقد يكتفى فيه بذكر القليل حتى يستدلّ به على الغاية التي إليها يجرى) أما كلمة (العهخع) التي زعموا فهي كلمة معاياة لا أصل لها ولم يتفق على لفظها أيضا؛ ولهذا فإن مفردات اللغة كلها حسنة جميلة؛ وإنما تقبح المفردات أو تحسن بعد ذلك بحسب موضعها، ولو كانت هذه القاعدة حقيقية لتعسر الانتقاء جداً عند التأليف؛ يقول القلقشندي: (لو أراد الناظم أو الناثر أن يعتبر مخارج الحروف عند الألفاظ أهي متباعدة أم متقاربة - لطال الخطب في ذلك وعسر (

2 – إن الغرابة - التي يدّعونها - ضد الإلفة وكثرة الاستعمال، وهذه الغرابة أمر نسبي؛ ولذلك لا تصلح معياراً؛ يقول بهاء الدين السبكي: (الغرابة بالنسبة إلى العرب العرباء لا بالنسبة إلى استعمال الناس، وإلا كان جميع ما في الكتب من الغريب غير فصيح والقطع بخلافه) ومعلوم أيضا أن القرآن العظيم والحديث الشريف قد حوى بعض هذا الغريب - فلا يمكن الحكم بعدم فصاحتها، أما نفي الجاحظ للفصاحة من خلال قول يزيد بن المهلب: (إنا لقينا العدو فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ولحقت طائفة بعرائر الآودية وأهضام الغيطان وبتنا بعرعرة الجبل وبات العدو بحضيضه) فإنه إنكار للتكلف وليس إنكاراً للغرابة. ولما كان الأمر كذلك فإن التمسك بهذه القاعدة يفضي إلى قول الزوزني: (إن اللفظ غير الفصيح قد يقع في القرآن) الأمر الذي جعل السبكي يصفه بأنه زلة قدم 2 ومن ذلك أيضا ما يحكي ابن الأثير عن هذه القاعدة، فيقول: (وحضر عندي في بعض الأيام رجل متفلسف فجرى ذكر القرآن الكريم فأخذت في وصفه وذكر ما اشتملت عليه ألفاظه ومعانيه من الفصاحة والبلاغة؛ فقال ذلك الرجل: وأي فصاحة هناك وهو يقول:) تلك تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (فهل في لفظة (ضيزى) من الحسن ما يوصف؟ فقلت له: اعلم أن لاستعمال الألفاظ أسرار لم تقف عليها أنت ولا أئمتك مثل ابن سينا والفارابي ولا من أضلهم مثل أرسطاطاليس وأفلاطون)

3 - مخالفة القياس:

إن مقاييس اللغة قد وضعت باستقراء كلام العرب الفصحاء في عصر الاحتجاج، وعصر الاحتجاج هو عصر البلاغة باتفاق، فإذا خالف القياس لفظ في عصر الاحتجاج وعند العرب الذين يعتد بكلامهم – فلا يمكن عقلاً أن نحكم بعدم فصاحته ناهيك عن ما إذا وقع هذا اللفظ في القرآن نحو "استحوذ"و "سرر " ولما كان الأمر كذلك فقد برر اللفظيون هذه القاعدة واستثنوا منها؛ الأمر الذي يدلّ على أنها غير مضطردة، والقاعدة غير المضطردة لا تصلح حكماً؛ يقول بهاء الدين السبكي: (ما خالف القياس وكثر استعماله فورد في القرآن فإنه فصيح)

4 - أما طول الكلمة أو قصرها فلا يصلح معياراً لحسنها أو قبحها ولا ينهض دليلاً على فصاحتها أو رداءتها؛ يقول القلقشندي: (إن اعتبار ابن سنان تركيب الكلمة من أقل الأوزان تركيبا - غير معتبر) وإذا كانوا قد استدلوا بلفظ "سويداواتها" على أن الطول علة للقبح؛ فإن صحّ ذلك لقبح كل لفظ طويل والأمر بخلاف ذلك؛ يقول ابن الأثير: (ليس الأمر كما ذكر فإن قبح هذه اللفظة "أي: سويداواتها" لم يكن بسبب طولها؛ وإنما لأنها في نفسها قبيحة .... والدليل على ذلك أنه قد ورد في القرآن الكريم ألفاظ طوال؛ وهي مع ذلك حسنة؛ كقوله):فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ (فإن هذه اللفظة تسعة أحرف وكقوله):لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم (فإن هذه اللفظة عشرة أحرف وكلتاهما حسنة رائقة، ولو كان الطول مما يوجب قبحاً لقبحت هاتان اللفظتان وليس كذلك، ألا ترى أنه لو أسقط

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015