وهذه القاعدة تقوم على أن مخارج الحروف إذا تقاربت كانت أثقل منها إذا تباعدت؛ لأنها إذا تقاربت كلّفت اللسان جرساً واحداً، ولذلك جعل ابن سنان تباعد الحروف شرطاً للفصاحة
ب-الغرابة:
وهو أن تكون الكلمة وحشية غريبة لا يظهر معناها فيحتاج في معرفتها إلى أن ينقر عنها في كتب اللغة المبسوطة؛ كقول عيسى بن عمر النحوي):ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤم على ذي جنة افرنقعوا)
ج- مخالفة القياس:
وهو مخالفة القواعد التي تجري عليها المفردات العربية كلفظ "ا الأجلل"في قول الشاعر:
الحمد لله العلى الأجلل
والقياس: الأجلّ
د- طول الكلمة:
وهي من الشروط التي ذكرها ابن سنان ومثّل لها بلفظ "سويداواتها" في قول المتنبي:
إن الكرام بلا كرام منهم مثل القلوب بلا سويداوتها
هـ- الكراهة في السمع:
وذلك بأن يجد السمع كراهة عند سماع اللفظ كما يجد ذلك عند سماع الأصوات المنكرة؛ يقول ابن الأثير: (إن الألفاظ داخلة في حيّز الأصوات فالذي يستلذه السمع منها ويميل إليه هو الحسن، والذي يكرهه وينفر عنه هو القبيح، ألا ترى أن السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشحرور ويميل إليهما ويكره صوت الغراب وينفر عنه وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس، والألفاظ جارية هذا المجرى؛ فإنه لا خلاف في أن لفظه المزنة والديمة حسنة يستلذها السمع وأن لفظة البعاق قبيحة يكرها السمع، وهذه اللفظات الثلاث من صفة المطر؛ وهي تدلّ على معنى واحد)
وكما عابوا لفظة "البعاق" فإنهم عابوا أيضا كلمة "الجرشي" في قول المتنبي:
كريم الجرشي شريف النسب
أي: كريم النفس
و- الابتذال:
ارتبط الابتذال الذي عده اللفظيون مما يخل بفصاحة المفردة عندهم ارتباطاً وثيقاً بالعامة؛ وذلك لأنهم قسموا المتحدثين بالعربية من حيث المكانة ومن حيث الزمان فقسموهم إلى: عامة وخاصة وعرب ومحدثين، ثم صنفوا المفردات بحسب ذلك، وقد قسموا المفردات إلى تسعة أقسام؛ وهي:
الأول: ما استعملته العرب دون المحدثين وكان استعمال العرب له كثيراً في الأشعار وغيرها، فهذا حسن.
الثاني: ما استعملته العرب ولم يحسن في التأليف؛ فهذا لا يحسن إيراده
الثالث: ما استعملته العرب وخاصة المحدثين دون عامتهم فهذا حسن جداً، لأنه خلص من حوشية العرب وابتذال العامة.
الرابع: ما كثر في كلام العرب وخاصة المحدثين وعامتهم؛ فهذا لا بأس به.
الخامس: ما كان كذلك، ولكنه كثر في ألسنة العامة؛ فهذا يقبح استعماله لابتذاله.
السادس: ما كثر عند العامة والخاصة وليس له اسم آخر؛ فهذا لا يقبح ولا يعدّ مبتذلاً.
السابع: ما كان كذلك، ولكنه كثر عند العامة؛ فهذا مبتذل.
الثامن: ما كان عند العرب لمعنى وعند المحدثين لمعنى آخر؛ فهذا يجب تجنبه.
التاسع: ما غيرته العامة وكان عند العرب والمحدثين؛ فهذا مع التغيير مبتذل قبيح وعلى ما نطقت به العرب مقبول.
نقد معايير اللفظيين:
من الملاحظ أن أحكام اللفظيين هذه قد انصرفت إلى المفردة المنعزلة عن السياقات والنظوم؛ فلم تتم دراستها إلا باعتبارها مفردة لغوية مجردة، ولهذا لم تسلم من العيوب التي تقدح في صحتها ابتداء، ومن المعلوم أن هذه المعايير التي يمكن أن تصادم القرآن والحديث بل وكافة روائع الأدب في عصر الاحتجاج كما سيأتي -قد تأت باستنباط المتأخرين، ولا يعقل - إطلاقاً - أن تكون هذه القواعد معيارا لتلك القمم إلا إذا استقام أمرها فيها وجرت على أصول تلك القمم نفسها، ومن الأمور التي تقدح في تلك القواعد الآتي:
1 - إذا كان تقارب الحروف مخلاً بالفصاحة فلم لم يقبح لفظ (أعهد) في قوله تعالى:) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ (رغم أنها مكونة من ثلاثة أحرف حلقية متتالية؟ وليس ذلك فحسب بل إن بعض المفردات قد تعد قبيحة وهي متباعدة المخارج والعكس كذلك؛ يقول ابن الأثير: (لو كان التباعد سبباً للحسن لما كان سبباً للقبح؛ إذ هما ضدان لا يجتمعان، فمن ذلك أن يقال ملع: إذا عدا؛ فالميم من الشفة والعين من حروف الحلق واللام من وسط اللسان، وكل ذلك متباعد، ومع هذا فإن في هذه اللفظة نكتة غريبة، وهو إذا عكسنا حروف هذه اللفظة صارت "علم"وعند ذلك تكون حسنة لا مزيد على حسنها، وما ندري كيف صار القبح حسناً؟ لأنه لم يتغير من مخارجها شيء) والحق
¥