ومن المسائل التي يختلفون فيها أيضاً هل الآحاد ينسخ المتواتر أم لا؟

فالراجح أنه ينسخ المتواتر، والعبرة بالصحة والثبوت، وأما الاستدلال لهذا فلا مجال له هنا.

ومن أقسام النسخ أقسامه بالنظر إلى الحكم التكليفي:

فالحكم التكليفي خمسة أقسام (الواجب والمندوب والمباح و المستحب هو المندوب والمكروه و المحرم) فهذه خمسة أقسام، وبعضهم يجعلها أربعة، ويجعلون المباح تكملة للقسمة، لأنه مستوي الطرفين، لأنه لا مأمور به، ولا منهي عنه، فخطاب الشارع يكون إما بطلب الفعل، أو طلب الترك وطلب الفعل إما لزوماً، وهو الواجب، وإما أن يكون من غير إلزام وهو المستحب، وطلب الترك يكون إما إلزاماً وهو الحرام، وإما من غير إلزام فهو الكراهة، فهذه أربعة أقسام، بقي مستوي الطرفين وهو المباح، فبعضهم يلحقهم به تكملة للقسمة، والأحسن أن يفرق في هذا ويقال الإباحة على قسمين:

إباحة شرعية، وإباحة أصلية، فالإباحة الشرعية داخله في أقسام الحكم التكليفي، والإباحة الأصلية خارجة عنه، هذه مقدمة لا شأن لها بموضوع النسخ، لكن إذا علم أن خطاب الشارع إما أن يكون أمراً أو نهياً، وكل منهما على قسمين:

أمرٌ لازم، وأمرٌ غير لازم، ونهي لازم ونهي غير لازم، فالأمر الذي على سبيل الإلزام، يمكن أن ينسخ على ثلاث صور:

1/ فيمكن:أن يتحول من الوجوب إلى التحريم مثل: استقبال بيت المقدس فإنه كان واجباً، فلو صلى أحد إلى بيت المقدس لكان فعله حراماً، فانتقل الحكم من الوجوب إلى التحريم، فهذا الوجه الأول.

2/ الوجه الثاني: أن ينقل إلى الاستحباب مثل الوضوء لكل صلاة، كان واجباً ثم نسخ ذلك، فصار مستحباً.

3/الوجه الثالث: أن ينسخ من الوجوب إلى الإباحة، مثاله: أنه كان يجب أن يتوضأ الإنسان إذا أكل شيئاً مسّته النار، ثم نسخ بعد ذلك فصار مباحاً، ولا يقال أنه يستحب للإنسان إن أكل شيئاً مما مسّت النار أن يتوضأ بخلاف الوضوء لكل صلاة.

أما ما أمر به الشارع أمراً غير لازم ــ وهو المستحب ــ فهذا أيضاً يكون نسخه على ثلاثة أوجه:

1/الوجه الأول: إلى الوجوب، ومثاله: صوم رمضان كان مستحباً لمن لا يريد، ويريد إخراج الفدية (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: من الآية184)) (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) (البقرة: من الآية184) فكان الإنسان مخيراً، والأفضل له أن يصوم، فنسخ من الاستحباب إلى الوجوب، فصار واجباً لكل مستطيع.

2/ الوجه الثاني: قد ينسخ من الاستحباب إلى التحريم: ويمكن أن يمثل له: بآيات الصفح والعفو ـ على القول بنسخها ـ، فيقال كان في السابق يستحب العفو عن المشركين والصفح والمسامحة، ثم صار ذلك حراماً لأنه نسخ فصار الواجب هو قتالهم، وقد سبق بيان الراجح في هذه المسألة.

3/ الوجه الثالث: أن ينسخ من الاستحباب إلى الإباحة: وهذا يذكرون له أمثلة فيها إشكال.

مسألة: هل المباح يدخله النسخ؟

نعم،فينسخ إلى التحريم، كما في لحوم الحمر الأهلية فإنها كانت مباحة، ثم حرمت عام خيبر لكن إباحتها كانت إباحة أصلية، وهي البقاء على حكم الأصل فلم يتعرض لها الشارع، وأما الإباحة الشرعية فتكون بإذن الشارع بخصوصها مثل إباحةالضب،فإنه أكل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم و سئل أحرام هو؟ فقال: لا " فإباحة الضب إباحة شرعية، والحاصل أن المباح يتصور نسخه إلى التحريم.

وأما المنهي فهو إما أن يكون على سبيل الإلزام يعني المحرم، فيمكن أن ينسخ إلى الإباحة، كما كان في أول ما فرض الصيام، يحرم المباشرة للنساء ليلة الصيام ثم أبيح ذلك: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة: من الآية187)، كذلك الأكل والشرب، كان في أول فرض الصوم، للصائم أن يأكل ويشرب إلى الفجر بشرط ألا ينام، فإذا نام بعد غياب الشمس ـ حتى لو لم يفطر ـ فليس له أن يأكل أو يشرب إلا بعد غياب الشمس من اليوم الثاني، ثم نسخ ذلك (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة: من الآية187) فصار الأكل والشرب بعد أن كان حراماً صار مباحاً.

و قد ينسخ من التحريم إلى الكراهة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015