فالذين يقولون أن النسخ يكون إلى غير بدل مثلاً يقولون: إن الله عز و وجل نقلهم إلى التخفيف، ولم يتركهم هملاً، بل نقلهم إلى كون ذلك مباحاً من غير أيجاب شيء آخر معه، فمناجاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعت إلى الحكم الأصلي قبل وجوب الصدقة بين يدي النجوى فكان ذلك مباحاً من غير اشتراط فرجع الحكم إلى ما كان عليه ولم يبق المكلفون هملاً، فاستووا بهذه الطريقة مع من يقولون لا بد من البدل. فظهر أن الخلاف لا يترتب عليه عمل ــ والله تعالى أعلم ــ فهو خلاف لفظي ...

وينقسم أيضاً باعتبار القدر الذي يقع عليه النسخ إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: نسخ تلاوة فقط مع بقاء الحكم مثل آية الرجم: (والشيخ والشيخة ـ يعني الثيب ـ إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) كانت آية تقرأ فنسخ لفظها وبقى الحكم ثابتاً لم ينسخ فهذا نسخ اللفظ فقط.

القسم الثاني: نسخ الحكم فقط مع بقاء اللفظ مثل آية المصابرة (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (لأنفال: من الآية65) فهذه نسخ حكمها وبقى لفظها.

القسم الثالث: وهو ما نسخ حكمه ولفظه: كما في حديث عائشة: (كان مما أنزل من القرآن أن عشر رضعات يحرمن ثم نسخ بخمس رضعات) فهذه العشر كانت آية من القرآن تدل عليها فنسخ اللفظ ونسخ الحكم.

وينقسم بالنظر إلى دليلة إلى أقسام متعددة يمكن أن نجملها بقسمين كبيرين:

قسم متفق على جوازه، وقسم مختلف فيه:

فمن القسم المتفق عليه: نسخ القرآن بالقرآن. هذا بالاتفاق مثل: نسخ مصابرة الواحد للعشرة بمصابرته لاثنين.

ومن القسم المتفق عليه: نسخ السنة المتواترة والأحادية بمتواتر السنة ـ هذا متفق عليه ـ.

ومن القسم المتفق عليه: نسخ الآحاد من السنة بالآحاد متفق على جوازه. ولا أحتاج لذكر أمثلة لأن موضوعنا النسخ في القرآن.

أما المختلف فيه فنسخ القرآن بالسنة، فهذا فيه خلاف مشهور، والأقرب أنه لا مانع منه، وهل وقع نسخ القرآن بالسنة؟

لا أعرف مثالاً سالماً من معارضة قوية، لكن من الأمثلة التي يوردها من يقولون به نسخ عشر رضعات حيث كانت من القرآن ثم نسخ بالسنة، وهي أن الأمر بقي على خمس، فرفع ذلك.

فيقال: إن حقيقة الأمر أنه نسخ بقرآن، ثم نسخ هذا القرآن،لأن الآية التي فيها ذكر عشر رضعات يحرمن، نسخت بآية: (أن خمس رضعات يحرمن)، ثم نسخ لفظ الآية التي فيها أن خمس رضعات يحرمن مع بقاء حكمها فالواقع أنه نسخ للقرآن بالقرآن.

ومن أمثلته المشهورة التي يمثلون بها؛ آية الوصية يقول الله عز وجل:

(كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (البقرة: من الآية180) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا وصية لوارث) فبعض العلماء يقولون: الآية ليست منسوخة، لأن هذا في الوالدين والأقربين الذين قام بهم مانع من موانع الإرث، كالأب القاتل، فالابن إذا ضرب أباه ضربة قاتلة في مقتل، ثم أوصى قبل أن يموت لأبيه، فإنه ينفذ فيما لا يزيد على الثلث، أو يكون الأب على غير دين الولد فهو لا يرث لأنه لا يتوارث أهل ملتين شتى، فالأب إذا كان كافراً والولد مسلماً، فللابن أن يوصي لأبيه، لأنه لا يرثه، فبعض العلماء يقولون: الآية ليست منسوخة، والذين يقولون إنها منسوخة يقولون: نسخها حديث (لا وصية لوارث)، وبعضهم يقول: ما نسخها الحديث، وإنما نسخها آيات المواريث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء: من الآية11) فالمحصلة من الناحية العملية واحدة – وهو أنه لا يجوز أن يوصي لوارث سواءٌ قلنا إن الآية التي نسختها أو الحديث الذي نسخها، لكن فقط بقي الخلاف في تعيين الذي نسخها، فهذا من نماذج نسخ القرآن بالسنة وهو جائز عند الجمهور.

ومن الصور المختلف فيها أيضاً: نسخ السنة بالقرآن، لأن السنة موضحّة للقرآن، فكيف ينسخها وهي موضحة له؟

فيقال: لا مانع من ذلك وإن خالف بعض أهل العلم في وقوعه:

فيقال: نعم وقع ومن أمثلته: نسخ التوجه إلى بيت المقدس، فإنه نسخ بالقرآن، وهم أمروا بالتوجه لبيت المقدس بالسنة، ثم جاء الناسخ (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة: من الآية144) فصار القرآن ناسخاً للسنة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015