الموضع الثاني: هو قوله تبارك و تعالى في سورة الأحزاب في الآية رقم (50) (ا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) (الأحزاب: من الآية50) إلى آخر الآية. وفي آية رقم 52 يقول (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) (الأحزاب: من الآية52) كثير من أهل العلم يقولون أن الآية الأولى ناسخة للآية الثانية، فعلى هذا القول تكون هاتان الآيتان الناسخ فيها قبل المنسوخ في ترتيب المصحف، مع أن الراجح في هذه الآية هو أنها ليست بمنسوخة بل المراد لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) (الأحزاب: من الآية52) يعني من بعد الموصوفات؛ بنات عمك، وبنات خالك إلى آخره ..

ومن الفوائد أن بعض الآيات يوجد دليل النسخ في نفس الآية:

ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ) (لأنفال: من الآية66)، وكذلك قوله تعالى:) َعلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) (البقرة: من الآية187)، وكذلك قوله تعالى: (ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا ... ) إلى آخرالآية.

ومن المسائل المهمة في موضوع النسخ:

1 / أن الأصل عدم النسخ، فالأصل الإحكام وليس النسخ، و بالتالي فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل يوجب ذلك، وهذا يؤيد ما ذكرنا من قبل أن النسخ لا يثبت بالاحتمال.

2/ ومن الأمور المفيدة أيضاً، ومن ملح هذا الباب: أنه لم يوجد مثال في النسخ المعروف الذي بلغ المكلفين، تكرر في شيء واحد بعينه مرتين و أكثر، وإنما قد ينسخ الشيء ثم يأمر بغيره، أما أنه ينسخ مرتين، فهذا لا يوجد له مثال في ما نعلم والله تعالى أعلم، ولا يرد على ذلك ما جاء في نسخ الصلاة مرة بعد مرة في ليلة المعراج، لأن ذلك ينازع كثير من العلماء فيه هل هو نسخ أم لا؟ لأنه لم يبلغ المكلفين ولم يتمكنوا من فعله، وهذه مسألة يحتاج إليها عند الجواب والرد على بعض من ادعى النسخ في بعض الصور، وقد استعمل ذلك مثل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حيث زعم بعضهم أن القبلة كانت بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تحول إلى بيت المقدس ثم نسخ ذلك إلى الكعبة هذا ضعّفه الحافظ وقال: ويلزم منه دعوى النسخ مرتين .. ذكره في الفتح.

3/ ومن المسائل المفيدة في هذا الباب: أن كل ما وجب امتثاله في وقت مّا لِعلّة تقتضي ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقالها إلى حكم آخر؛ فليس بنسخ، يعني: أن كل حكم ربط بعلّة ثم ينتقل بانتقالها؛ فليس من قبيل النسخ، لأنه ليس برفع للحكم بخطاب شرعي متراخ عنه، وإنما هذا أمر به لسبب، ثم زال هذا السبب فارتفع الحكم بزوال سببه، وهذا بخلاف ما حكم به الشارع مطلقا ..

مثاله:

كثير من الآيات التي تأمر بالصبر وتحمّل أذى المشركين والصفح والإعراض والعفو وما أشبه ذلك، حتى إن الله عز وجل قال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8)، فمثل هذه الأدلة الكثيرة في العفو والصفح، قال بعض العلماء نسختها جميعا آية واحدة، وهي الآية الخامسة من سورة براءة: (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (التوبة: من الآية5) الآية – فلا مجال للصفح ولا مجال للإعراض ولا مجال للعفو ولا مجال لتركهم، فليس لهم إلا السيف، قالوا نسختها جميعاً آية السيف، فقالوا: إن آية السيف نسخت (124) آية، وهذا غير صحيح، صحيح إن آخر ما نزل سورة براءة، ومنه هذه الآية (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التوبة: من الآية5) لكن آيات الصفح و الإعراض التي يحتج بها المنهزمون، الذين يقولون إن الإسلام دين صفح وإعراض ومسامحة ودين تسامح، وليس بدين قتال، هؤلاء يكذبون على الله ويكذبون على الناس، ويزيفون حقائق الإسلام، لكن العدل في هذا الباب أن يقال: إنه لم ينسخ لكن ذلك يستعمل في أحوال ضعف الأمة حين تعجز عن المواجهة، فعند ذلك يكون حق التعامل مع الكفار، الصفح والإعراض والمسامحة والتجاوز والصبر، و أما في حال التمكّن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015