ويعرف التأخر أيضاً بالتواريخ، كأن يكون هذا الأمر وقع في أول الهجرة، والآخر وقع في غزوة في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أو نحو ذلك.

والخلاصة:

أن الناسخ المنسوخ إنما يعرف بالنقل ولا يعرف بمجرد دليل العقل ولا القياس، ولا مدخل للعقل ولا القياس في الحكم بالنسخ، فهذه قضية يجب أن تعلم.

الشرط رابع: أن يتعارض دليلان بحيث يمتنع الجمع بأن يكونا متنافيين من كل وجه، و قد تواردا على محل واحد، فإذا علمنا المتقدم من المتأخر لجأنا إلى النسخ إذا لم يمكن الجمع.

الشرط الخامس: أن يكون المنسوخ حكماً لا خبراً، لأن الأخبار لا يدخلها النسخ كأخبار ما كان وما يكون.

و أخبار الجنة والنار، و ما ورد من أسماء الله عز وجل وصفاته، وأما نسخ لفظ الخبر فقط، فهذا لا إشكال فيه بالإجماع، أي بإجماع من يقررون النسخ ويقولون به، كأن تنزل الآية مخبرة عن شيء ثم تنسخ تلاوتها فقط، مثاله: " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب " كان هذا من القرآن، ومعناه ثابت، لكنه نسخ لفظه وهذا خبر، فنسخ لفظ الخبر ممكن ولا إشكال فيه، أما مضمونه فلا يمكن أن ينسخ.

أو أن تكون الآية بلفظ الخبر لكنها في معنى الإنشاء، والمقصود بالإنشاء: كالأمر و النهي،ومثاله: قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة: من الآية233) فهذا ظاهره الخبر لكنه بمعنى الإنشاء فإن فيه معنى الأمر، فهو أمر بالإرضاع، فهذا يمكن أن ينسخ.

مسألة أخرى:

النسخ جائز وواقع بين الشرائع، فالشرائع ينسخ بعضها بعضاً، فهذه الشريعة جاءت مهيمنة على سائر الشرائع، وناسخة لها، أما هذه الشريعة فلا يجوز إطلاقاً أن تنسخ بكاملها فالنبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، و هذه عقيدة يجب على كل مسلم أن يعتقدها، و أما النسخ في داخل هذه الشريعة يعني في بعض جزئياتها وفي بعض أحكامها فهذا أمر ثابت بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين، فالله يقول (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد:39) ويقول (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) (البقرة: من الآية106) ويكفي وقوع ذلك ليكون شاهداً على ثبوته.

الحكمة من وقوع النسخ:

هناك حكم كثيرة منها:

1 / الرحمة بالمكلفين، و هذا إذا كان النسخ إلى أخف، فالله عز وجل يقول (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (النساء: من الآية28) فإذا كان النسخ إلى ما هو أخف فيكون ذلك جلياً واضحاً.

مثاله: أنه كان يجب على المجاهد في أول الأمر أن يصابر عشرة في القتال، ثم خفف ذلك، ففي أول الأمر، قال الله تعالى: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (لأنفال: من الآية65) ثم قال بعد ذلك (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (لأنفال: من الآية66) فصار الحكم المستقر إلى اليوم، أن الواحد يجب أن يثبت أمام اثنين، بينما في السابق كان الواحد لا يجوز له أن يفر أمام عشرة، فهذا تخفيف من الله.

2/ تكثير الأجر للمؤمنين، فالله يعظم الأجور للصابرين، وهذه الحكمة تتضح في النسخ إلى الأثقل.

مثاله: الصيام: ففي أول الأمر؛ كان الواجب صيام عاشوراء، ثم نسخ وجوبه، وصار الفرض صيام شهر رمضان، ثم لما فرض شهر رمضان كان على التخيير من أراد أن يصوم ومن أراد أن يطعم، فنسخ ذلك إلى الأثقل وهو الإلزام بالصوم لكل مستطيع.

3 / أن يكون النسخ مستلزماً لحكمة خارجة عن ذاته، و هذا فيما إذا كان الناسخ فيه، نظيراً للمنسوخ مماثلاً له ليس أثقل ولا أخف.

مثاله: استقبال بيت المقدس، حيث كان المشركون يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون أنت تدعي أنك على ملة إبراهيم، ثم خالفته في القبلة، و اليهود يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون تستقبل قبلتنا ثم تذمنا وتخالفنا في أشياء كثيرة، وتكفرنا، فحول الله عز وجل القبلة إلى الكعبة، لئلا يكون للناس على هذه الأمة، أو على النبي صلى الله عليه وسلم حجة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015