الأول: أن النسخ رفع لأصل الحكم وجملته، بحيث يبقى الحكم بمنزلة ما لم يشرع البتة، و ليس تقييداً، أو استثناءً، أو تخصيصا، .. فهذا من قبيل البيان.

الثاني: تبين من خلال التعريف، أن النسخ رفع للحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم، وليس رفعاً لحكم البراءة الأصلية الثابت بدليل العقل؛ فلابد أن يكون رفع حكماً شرعياً،

فإيجاب الصلاة ـ مثلاً ـ رافع للبراءة الأصلية، فلا يسمى نسخاً.

الثالث: أن النسخ رفع للحكم الشرعي بخطاب شرعي آخر، وهذا احتراز عما رفع بغير خطاب، كمن جن أ و وصل إلى حالة الهرم التي لا يعقل معها، فهنا نقول: ارتفع عنه التكليف، ولكنه ارتفع لزوال الأهلية، فليس هذا من قبيل النسخ، إذا لابد في النسخ من أن يكون الرفع بخطاب، فالجنون والموت وإن ارتفع بها عن الإنسان التكليف، إذ إن من شروط التكليف الحياة والعقل، لا يسميان نسخاً.

الرابع: تبين من خلال التعريف، أن النسخ يكون بخطاب شرعي ثانٍ متراخ عن الخطاب الأول، أما لو اتصل به، فإنه لا يسمى نسخاً، بل يقال له تخصيص، فلابد من مهلة بعد مدة.

فمثلاً في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران: من الآية97) بدل بعض من كل، خرج به من لم يستطع، فهل هذا يقال له نسخ؟! لا .. لكن يقال له تخصيص، أما على مفهوم السلف وتعبيرهم، فإنك ترى ابن عباس رضي لله تعالى عنه وأرضاه يقول: نسختها التي بعدها، يعني (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) نسخ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) يعني: أنها خصصتها، لأنهم يسمعون التخصيص نسخاً.

أما على التعريف عند المتأخرين؛ فلابد من شرط التراخي.

فهذه القيود الأربعة إذا وجدت وجدت حقيقة النسخ في معناه الاصطلاحي وتحقق،وأما إذا اختل شيء منها فإن حقيقة النسخ لا تكون موجودة.

شروط النسخ:

يشترط لتحقق النسخ عدة أمور:

أولاً: وجود حقيقة النسخ، وإنما توجد بالأمور التي ذكرتها آنفا فتراجع.

الثاني: أن يكون النسخ وحيا من كتاب أو سنة، فالله عز وجل يقول: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) (يونس: من الآية15)، فالناسخ لابد أن يكون وحياً، و بذلك نعلم أن النسخ بمجرد الإجماع لا يجوز، وأما ما يذكره العلماء كثيراً، من أن هذه الآية نسخت بالإجماع؛ فإنهم يقصدون مستند الإجماع، لأن الإجماع هو: اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأمور، أو على أمر شرعي. فالإجماع لا بد أن يكون له مستند و إن خفي علينا، و مستنده دليل إما من الكتاب أو من السنة، فحينما يقولون هذه الآية أو هذا الحديث نسخه الإجماع، فإنما يعنون أن الذي نسخه هو مستند الإجماع.

ومن خلال الشرط السابق نعلم أيضاً أن النسخ لا يجوز أن يكون بالقياس، لأن القياس ليس بدليل نقلي، وإنما هو دليل مركب على الدليل النقلي، وللعقل فيه شائبة، وهو نوع اجتهاد في الواقع. على تفاوت في مراتبه ووضوحه.

ونعرف أيضا أنه لا يجوز النسخ بأدلة العقل، لأن أدلة العقل منها ما لا يجوز أن يأتي الشرع بخلافه أصلاً، فلا يتصور نسخ الشرع به، ومنها ما يجوز أن يرد الشرع بخلافه، وهو البقاء على حكم الأصل، فهذا يجب العمل به عند عدم النقل، وهو الذي يسمى الاستصحاب.

ولا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، فيمكن أن تنسخ السنة القرآن، والآحاد ينسخ المتواتر ولا إشكال في ذلك، فيكفي الصحة والثبوت.

الشرط الثالث: لا بد أن يتأخر الناسخ عن المنسوخ

ولمعرفة التأخر عدة طرق: منها:-

الإجماع: كأن يجمع العلماء على أن هذه بعد هذه، وإجماع الأمة حجة.

أو تجمع الأمة على خلاف ما ورد من أحد الخبرين فنقول: ما دام أجمعت الأمة على خلاف مقتضاه فما كان ذلك إلا بنسخ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة.

ويعرف أيضا التأخر والتقدم:

بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وبفعله، كأن يقول: " كنت نهيتكم عن كذا .. وكذا " أو قول الراوي؛ كأن يقول: رخص في كذا ثم نهي عنه، فعرفنا المتقدم والمتأخر، مثل: " نهينا عن زيارة القبور .. "

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015