"أما هذه اللام فهي لام القسم وتقدير الكلام والله لتفسدن، وهذا القسم مؤكد لمتعلق القضاء وإذا كانت اللام للقسم كما ذهب إلى هذا جميع المفسرين الذين مررنا ببعض أقوالهم سابقا، وكان المحكي عنه تاريخا ماضيا من تاريخ بني إسرائيل وقد تحقق، فإن وعد الله لا يتخلف، فعلام القسم على شيء قد حدث وانتهى، وعلمه الناس، فلأي معنى يخبر الله تعالى عنه في هذا الكتاب الذي هو آخر الكتب، على أنه سيكون، وقد كان بالفعل؟ "
فأقول:
إن الخلاف في المسألة هو:هل كان أم أنه سيكون؟
وإذا كان الله قد أقسم عليه في الأزل وأخبر به بني اسرائيل في كتابهم فلا إشكال؛ إن كان قد وقع فالعبرة ما ذكرت في جوابي في الفقرة السابقة، وإن لم يقع بعد أو قع بعضه والبعض الآخر لم يقع فلا إشكال أيضاً.
وأوكد مرة ثانية على أن محل الخلاف هو ما ذكرته في عبارتك" فلأي معنى يخبر الله تعالى عنه في هذا الكتاب الذي هو آخر الكتب، على أنه سيكون". فلا يصلح هذا الإيراد. إلا أن نتفق أن المراد بالكتاب في قوله تعالى " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا " هو القرآن. وهذا بلاشك ليس محل اتفاق بل لا أعلم من قال بأن المراد بالكتاب هو القرآن سواك.
أما ماذكرتَه عن تجويز سعيد حواء للقول الذي جزمت به أنت في الافسادتين، فهو عين الصواب لأن تجويز الأمر مبنى على القرائن الموجودة في النص، بينما الجزم مغامرة لأنه يحتاج إلى دليل لا يقبل النقاش.
أما بقيت ما ذكرتَ من المسائل فهي جميلة ومتسقة وليس هناك ما يعكر عليها وهي الأقرب إلى الصواب وقد سبقك في الإشارة إليها الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى.
وما ذكرتَه عن سيد طنطاوي في المقصود بالكتاب فقد سبق وأن قلتُ إن حمل الكتاب على الكتاب الذي أورثه بنو اسرائيل لا يتعارض مع القول بأنه ما كتب في اللوح المحفوظ والقول بكلايهما لا يمنع في نظري والله أعلم أن الافساد المذكور متعلق ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما بعدها.
هذه بعض ملاحظاتي على بحثك الشيق والجميل والرصين في نفس الوقت، أرجو الله أن يفعني بها أولاً وأن يفع بها من يقرأها وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
أخوكم: محب القرآن الكريم
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[28 Feb 2009, 06:40 م]ـ
سرني والله ما تفضلت به واحسب ان اكثر ما جاد به يراعك انما هو من اختلاف وجهات النظر وانا لا احمل احدا على القول بما قلت غير انه من اهم ما ينبغي قوله ان كون المراد بالكتاب هو القران لا ادعي انني المنفرد بهذا القول بل سبقني اليه بعض اهل العلم واظنني اشرت الى هذا في تضاعيف البحث وما ذكرته ايها الفاضل من الايات التي يُعكّرُ بها على هذا المعنى فهي لا تدل على ما ذكرته انا لان سياقها في الحديث عن بني اسرائيل وهذا ما اردت قوله من عبارتي مجردا عن القيود
وما ذكرته بعد تشكر عليه وما انا وانت الا ممن يرجو الوصول الى الحق دون ان يمنع كلانا صاحبه من التفكير
ومرة اخرى شكرا لك
ـ[المغوار]ــــــــ[28 Feb 2009, 06:53 م]ـ
خلال الردود لفتت انتباهي هذه الجملة (ومما ينبغي أن يعلم أنه لا يؤخذ بقول أحد إذا خالف اتفاق المفسرين وما عليه أئمتنا) في رد ابو صالح المدني هذا مستغرب كيف لا ياخذ بقوله حتى و لو كان تاويله للقرءان صحيح انا لا اوافق الاخ ابو صالح فيمكن لاي شخص تفسير القرءان اذا كانت لديه القدرة على ذلك.
كما يقول ايضا نحن -أعني: أهل السنة والجماعة - نفهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وقد ورد عن ابن عباس ترجمان القرآن، وعلي وابن مسعود وغيرهم من السلف ممن نقلت أقوالهم ما يكفينا ويغنينا.) و هذا غير صحيح لان تفسير السلف لا يغنينا على الاطلاق فتفسير القرءان في وقتهم كان صالحا لزمانهم و نحن بحاجة الى تفسير جديد يطابق واقعنا و القرءان صالح لكل مكان و زمان و بالتالي يفسر في كل وقت و في كل زمان و تفسيره لا ينبغي ان يكون من طرف علماء الدين فقط بل من طرف علماء الطبيعة و الرياضيات و الفزياء هذا ما فهمته من الاية سنيريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم الاية فابن عباس عندما فسر ارم ذات العماد لم يكن يعلم ان ارم ذات العماد هي عماد الفراعنة بمصر فانظر تفسيره لهذه الاية و كل المفسرين فسروا القرءان حسب المعطيات التي كانت لديهم فمن فسر سورة التكوير وبعض الايات مثل يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل لم يكن يعلم ان الارض كروية و بالتالي تفسيرنا الحالي هو اصدق من تفسيرهم و الامكانيات الموجودة لدينا تمكننا من تفسير القرءان احسن من السلف بكثير و لو قرئت التفاسير المعاصرة لقلت باعلى صوتك الله اكبر و شكرا و جزاك الله عنا كل خير.
ـ[أحمد الفقيه]ــــــــ[01 Mar 2009, 06:17 م]ـ
لا يمكن أن يكون فهم السلف للقرآن ناقصًا، بل فهموه كله على وجه صحيح من وجوه التأويل، ولم يغب عنهم أحد وجوه تأويله الصحيحة، وإن لم يأت عنهم كل ما يحتمله القرآن من وجوه التأويل لعدم ظهور ما يدعو إليها آنذاك.
والمتأخرون قد يزيدون وجوهًا صحيحة لا تنقض ما كان عليه السلف، وهذه الزيادات قد سار عليها علماء الأمة جيلاً بعد جيل.
أما أن يكون فهم السلف ناقصًا، ولم يقع لهم فهم لجملة من القرآن على وجه صحيح معتبر، وفهمناه نحن المتأخرين فهذا هو محطُّ الإشكال، وهو الذي لا أراه كائنًا.
وبهذا التنبيه يمكن القول بأن القرآن مفتوح لفهم العلماء، لكن بشرط أن لا يأتي فهم متأخرٍ على قول السلف بالإبطال؛ لأنه يلزم من ذلك أن الأمة لم تكن تعلم خطاب ربها على وجه صحيح معتبر طيلة هذا الوقت، حتى جاء هذا القول المتأخر ,
أرجو أن تتأمل هذا التوضيح، ولك ولكل المداخلين أجمل تحية وتقدير.
كلام يكتب بماء الذهب!!!
¥